الاثنين، 7 أبريل 2014

حول كتاب " استئناف التاريخ " لزكريا المحرمي




نظرية وسطية الحكمة ، هذا هو العنوان الأبرز الذي اختتمه الكاتب زكريا المحرمي في كتابه استئناف التاريخ ، والذي يحاول أن يثبت فيه أن ما توصل اليه فوكوياما في كتابه نهاية التاريخ والإنسان الأخير غير صائب ، محاولاً تقديم " نظرية لم تدخل ميدان التجربة بعد ، وهي ما تزال فكرة بكر بحاجة إلى مخض ونقد واختبار وإنضاج " (١) وهذا ما اود عمله في هذا المقال .


في آخر 20 صفحة يوضح الكاتب شكل هذا النظام وعلى ماذا يقوم ، وكعادة أي نظام على مختلف العصور والأزمان فإنه لا بد أن يدعي انه يقوم على العدل والمساواة والحرية ، فلا يوجد نظام يقول انه يقوم على الظلم والتمييز والعبودية ، فالعبرة أولاً واخيراً بالتطبيق . رغم ذلك سأقوم بمناقشة هذه النظرية والتي يفترض أن تكون قد جلبت معها ما هو جديد متجاوزةً النظريات السياسية الحالية . 


يقسّم الكاتب مؤسسات الحكم إلى ٧ عناصر ، ولكن سنتحدث في هذا المقال عن عنصريين ، وكنت اود لو اني استطيع أن اتحدث عن ثلاثة عناصر وهي الأهم في أي نظرية سياسية المتمثلة في السلطة التنفيذية والتشريعية ، إلا أن عنصر ( الحكومة ) لم يأت له تفصيل ، فما هو شكل الحكومة في هذا النظام ؟ وكيف يتم تعيين اعضائها ؟ وهم مسائلون أمام من ؟ وكثير من الأسئلة التي سنتركها معلقة بلا جواب . 

أما بالنسبة للعناصر الأخرى فتتفق اغلب الانظمة عليها كاستقلال القضاء ودور المجالس البلدية وضرورة وجود المؤسسات المدنية .


أولاً : الحاكم 


وصف الكاتب الحاكم بأنه يمثل رأس السلطة ، بينما الحكومة تمثل السلطة التنفيذية ، ومن هنا نتسائل رأس أي سلطة ؟ 

وهل الحاكم لا يعتبر من السلطة التنفيذية ؟ أم انه سلطة رابعة ؟ اضع هذه الاسئلة ليس لمجرد اظهار الثغرات وانما لاهمية تحديد وبيان كل شخص أو جهة والى أي سلطة ينتمي ، وتظهر هذه الأهمية عند تطبيق مبدأ فصل السلطات وتحديد صلاحيات كل سلطة ووظيفتها وحدودها .

ثم يضع الكاتب الشروط الواجب توافرها في الحاكم وهي : 

١- الانتماء إلى الطبقة الوسطى
٢- العلم
٣- الحكمة
٤- الاهلية البدنية
٥- الفضيلة 
٦- الانتماء

بالنسبة إلى ضرورة انتماء الحاكم إلى الطبقة الوسطى فإنه كوّن رأيه اعتماداً على ارسطو الذي لم يعش في زمن ابراء الذمة المالية ، ومراقبة الاموال الداخلة والخارجة في الحساب البنكي قبل وبعد فترة حكمه ، وعلى ذلك سار المشاؤون فيشترط الفارابي للحاكم " ان يكون الدرهم والدينار وسائر اغراض الدنيا هينه عنده " (٢) كذلك يرى ابن رشد من شروط الحاكم " ان يكون غير محب للمال " (٣) ، فهم يبحثون عن كائن بشري تخلى عن بشريته ، غير انهم يرون أن الطبقة الوسطى لا تهتم بالمال ، غير ملاحظين انهم اخلوا بمبدأ المساواة والذي يقضي بأن الناس متساوون في حقوقهم والتزاماتهم ، فما الضير ان يترشح غني أو فقير اذا كان في نهاية المطاف محكوم وفق انظمة وقوانين تحدد اختصاصه وما له وما عليه ؟ 

اما بقية الشروط فهي متفق عليها في مختلف الازمان ، فالفقهاء كالماوردي وضع سبعة شروط للامام

" أحدها: العدالة على شروطها الجامعة. 

والثاني : العلم المؤدي إلى الاجتهاد في النوازل والأحكام .

والثالث : سلامة الحواس من السمع والبصر واللسان، ليصح معها مباشرة ما يدرك بها.

والرابع: سلامة الأعضاء من نقص يمنع عن استيفاء الحركة وسرعة النهوض .

والخامس : الرأي المفضي إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح .

والسادس: الشجاعة والنجدة المؤدية إلى حماية البيضة وجهاد العدو .

والسابع : النسب، وهو أن يكون من قريش " (٤)

اما الجويني اضاف على ما ذكر اشتراط الذكورة والحرية وغيرها من الشروط البدهية ، ولم يوافق الماوردي في مسألة النسب (٥) 


اما الفلاسفة الطوبائيون ومن لف لف افلاطون ومثالياته فانهم وضعوا شروط تكاد تكون تعجيزيه ، فهم يريدون حاكم فيلسوف ويحكم شعب متفلسف ، والغريب في الأمر انهم يدركون انه امر لن يتحقق ، فبعد أن ذكر الفارابي شروط هذا الرئيس الفيلسوف الاسطوري اعترف ان اجتماع هذه الصفات في انسان واحد امر عسير ، كذلك اعترف ابن رشد بذلك بقوله : " ولقد قيل انه من الصعوبة بمكان ان تجد مثل هؤلاء الرجال ، لذا فقد صح القول انه من الصعب ان تقام مثل هذه المدينة " (٦)

اما بالنسبة للعصر الحديث فهو ينص على هذه الشروط بمسميات اخرى فالحكمة هي اشتراط بلوغ سن معين ، والانتماء بمعنى ان يمتلك الجنسية الاصلية ، والفضيلة ان يكون غير محكوم عليه بجرائم مخلة بالشرف والأمانة . 

فالشروط التي وضعها الكاتب هي موجودة سواء قبل الميلاد أو قبل ١٤٠٠ سنة أو في زمننا المعاصر ، وما حاول الخروج عنه في زمننا المعاصر ومحاولة اخذ شروط من الفقهاء او الفلاسفة ما هي إلا محاولة غير موفقة تجاوزتها النظم الحديثة وذلك لتعارضها مع مبدأ المساواة ، وسنوضح ذلك اكثر في شروط الناخب . 


- الناخب :

من ناحية انتخاب الحاكم يرى أن الجميع له الحق في الانتخاب ولكن قسم الناخبين إلى ثلاثة اقسام :

١- من له صوت واحد : ما دون الاربعين ولا يحمل شهادة الاجازة العلمية
٢- من له ثلاثة اصوات : من يبلغ الاربعين فما فوق ويحمل الشهادة العلمية
٣- من له خمسة اصوات : من يبلغ الاربعين فما فوق ويحمل الشهادة وكان مسئول سابق


اما بالنسبة لانتخابات اعضاء الشورى فيشترط للناخب أن يكون حاصلاً على الشهادة العلمية .


وهذا ما يعرف في الفقه الدستوري بالاقتراع المقيد " ولقد انتشر نظام الاقتراع المقيد في الدساتير التي ظهرت في القرن الثامن عشر ومنها دستور الولايات المتحدة الامريكية والدساتير الفرنسية حتى عام ١٨٤٨ باستثناء دستور ١٧٩٣ ودستور مصر ١٩٢٠ والنظام الانتخابي في انجلترا حتى عام ١٩١٨ " (٧) إلا انه بدأ بالتلاشي شيئاً فشيئاً بعد أن زاد الوعي السياسي ، والوعي السياسي لا يكتسبه الشخص من شهادة الهندسة أو الزراعة وانما عن طريق الممارسة واتاحه الفرصة للجميع بالتساوي في صنع القرار .


إن اعطاء ابن سينا ٥ أصوات في انتخابات الرئاسة والسماح له بانتخابات الشورى ، واعطاء ابي ذر الغفاري صوت واحد فقط في انتخابات الرئاسة وحرمانه من انتخابات الشورى ليس علاجاً من اشكالية تأثير اصحاب الأموال على الناخبين ، بل إن تتبعنا الأحداث الجارية لرأينا أن اصحاب الأموال يستخدمون من اعطيناهم خمسة اصوات وثلاثة اصوات للتأثير على الناخبين .

ما اود قوله أن الشهادة العلمية ليست معياراً لضمان عدم تأثر الناخب بالدعايات وانما المعيار هو الوعي السياسي والذي اشرت سابقاً انه يكتسب ويتأصل في الشخص عن طريق الممارسة ، ولا يمكن بأي حال من الأحوال صد هذا التأثير نهائياً وانما ستتفاوت درجته بحسب الوعي الفردي والجماعي في المجتمع .




ثانياً : مجلس الشورى ( البرلمان ) :


ووضع له اربعة مهام رئيسية :

التشريع والمراقبة والمسائلة وعزل الرئيس


وهذه العناصر موجودة في أي نظام يتبنى الديمقراطية ولا يوجد أي جديد أو اضافة ، بل إن بعض النظم قد تجاوزت هذه المرحلة ، كالديمقراطية شبة المباشرة المطبقة في سويسرا مثلاً ، فالشعب يمتلك الادوات اللازمة لضمان سير العمل السياسي بشكل سليم .

ومنها الاستفتاء الشعبي والاقتراح الشعبي والاعتراض الشعبي وحق اقالة الناخبين لنائبهم والحل الشعبي وعزل رئيس الجمهورية وغيرها من الحقوق والأدوات التي تجعل الشعب بنفسه يمارس حقوقه السياسية بدلاً من اسنادها للنواب ثم القاء الحبل على الغارب .

هذه الممارسة هي التي تخلق وعياً سياسياً يصعب اختراقة من قبل اصحاب الاموال ، اما عندما نحصر عمل الشعب السياسي في الانتخابات الرئاسية والنواب ثم يعود الفرد لفراشه للنوم إلى الانتخابات المقبلة فهذا الذي يجعله عرضه للاختراق ، سواء كان يمتلك شهادة أم لا يملك .



كلمة أخيرة :


آخر 20 صفحة من الكتاب هو بالتأكيد اهم ما جاء فيه ، كونه يطرح فكرة جديدة لنظرية سياسية يفترض انها تتجاوز النظريات السياسية الحالية ، إلا انني اعتقد انها تفتقر إلى عنصرين مهمين :


الأول : اضافة اشياء جديدة فعلياً ، فاغلب ما تم ذكره هي اساليب قديمة تم استخدامها في ارض الواقع وتم تجاوزها مع مرور الزمن ، وهذا لا ينطبق مع العنوان الفرعي من الكتاب " والنظام السياسي المنتظر " كون هذه الانظمة قديمة ، وينبغي معرفة ان ليس هناك نظام سياسي كامل وانما انظمة متفاوته في الايجابيات والسلبيات ، ومحاولة جمع ايجابيات كل نظام في نظام واحد لا يجدي نفعاً ، هو بحد ذاته اسمه " نظام " فتأكد إذا اخذته ستأخذه بايجابياته وسلبياته .


الثاني : أن فكرة فوكوياما بالتأكيد مضحكة ، وليس لدي شك في أن الأجيال القادمة سيسخرون من فكرته ويضحكون عليها ، ولكن في حين رغبة تقديم نظام سياسي جديد فينبغي أن يكون مشروح بدقة متناهية وبشكل مستفيض ، ويقتبس الكاتب من كتاب سيكلوجية الجماهير لجوستاف لوبون : " الكلمات التالية : ديمقراطية ، اشتراكية ، مساواة ، حرية فمعانيها من الغموض بحيث نحتاج مجلدات ضخمة لشرحها " (٨) فهل تكفي نظرية وسطية الحكمة ٢٠ صفحة ؟

ان النظرية اتت بشكل " اعم من العام " وهي بحاجة إلى توضيح اكثر ، وحتى ان اعتبرناه كالدستور ، فالدستور وحده لا يكفي ، فهناك لوائح داخلية توضح كيفية عمل وسير الاجراءات في مختلف الدوائر والجهات .


ولا ندري ربما يود الكاتب أن يوضح نظريته في كتابه القادم !






١- زكريا المحرمي ، استئناف التاريخ ص ١٢٢

٢- الفارابي ، اراء اهل المدينة الفاضلة ص ١٩٨

٣- ابن رشد ، تلخيص السياسة ص ١٤١

٤- الماوردي ، الاحكام السلطانية ص ١٩ بترتيب المكتبة الشاملة

٥- الجويني ، غياث الامم في التياث الظلم ص ٦٧ وما بعدها بترتيب المكتبة الشاملة

٦- ابن رشد ، المرجع السابق ص ١٤٢

٧- نعمان احمد الخطيب ، الوسيط في النظم السياسية والقانون الدستوري ص ٢٨١

٨- زكريا المحرمي ، المرجع السابق ص ٣٣