الاثنين، 17 فبراير 2014

المحكمة الدستورية في ذمة الدراسة



نشرت صحيفة الشبيبة بتاريخ ١٥ من شهر فبراير خبر عنونته ب " مجلس الوزراء يطالب اخضاع مقترح المحكمة الدستورية للدراسة " وخلاصة الخبر أن مجلس الوزراء رفض مقترح إنشاء المحكمة الدستورية . وهذا الخبر غير مفاجيء وليس مستبعد اطلاقاً ، فلقد بح صوتنا بالقول أن لدينا مشكلة وفجوة عميقة في السلطة التشريعية ، وأن التعديلات الأخيرة لم تكن إلا بمثابة توسعه المسرح وزخرفته .





إن السلطة التشريعية وآلية التشريع لم تتغير بعد التغييرات الأخيرة على النظام الأساسي للدولة ، فبتاريخ ٢٠ من شهر مارس لعام ٢٠١٢ اقر مجلس الدولة  " بالأغلبية المطلقة " مقترح إنشاء المحكمة الدستورية ، وتمت على أثره الدراسات والمناقشات والملاحظات ، وتم الإشادة بالأعضاء واستبشر الناس بهذه الخطوة والتي تعد بالتأكيد خطوة للأمام وهلل الناس وفرحوا وتحدثوا عن أهمية هذا المقترح ، ولكن وبعد سنتين لم تشفع كل هذه الأمور أمام السلطة التنفيذية المتنفذة في رفض الإقتراح في عشية وضحاها .

وإن تحدثنا للأسباب التي من خلالها تذرع مجلس الوزراء لرفض اقتراح المحكمة الدستورية سنجد انها متناقضة ، فالسبب الأول أن الإقتراح بحاجة إلى مزيد من الدراسة لأهمية الخطوة كونها تتعلق بمسائل دستورية وتنظر في تضارب المراسيم مع النظام الأساسي للدولة .

أما السبب الثاني هو نقص الخبرات في مجال المحاكم الدستورية لعدم وجود محاكم دستورية في دول الجوار للإستفادة منها !

فبالنسبة للسبب الأول فأنا اتعجب كيف أن لهذه المحكمة الدستورية أهمية كبيرة إلا إننا في عام ٢٠١٤ وما زلنا لا نملك محكمة دستورية ! فمجلس الوزراء يقيس أهمية المحكمة بدراستها لا بوجودها بالتالي دراستها لمدة قرن من الزمان خير من وجودها !

أما السبب الثاني والذي يناقض السبب الأول يذكرني بخريج الجامعة أو الكلية الذي يبحث عن عمل ولكنه لا يجد بسبب أن الوظائف المتاحة تحتاج إلى خبرة ، فيعيش حياته في حيرة فكيف له أن يكتسب خبرة وهذه الخبرة لا تأتي إلّا بالعمل والعمل يتطلب خبرة ، فيظل في هذه الدائرة إلى ما شاء الله .

ولكن مجلس الوزراء لم يكتفي بهذه الدائرة المفرغة بل دخل في اخرى  وتحلى بصفة الإيثار فكيف يتسنى له أن يتقدم دول الجوار وينشأ محكمة دستورية ، وربما كان هذا لسان حال كل دول الجوار ، فلعل كل دولة تتذرع بأن دول الجوار ليست لديهم تجربة ، وكل دولة تنتظر اختها وكأن ليست كل دولة ذات سيادة ونظام خاص بها .

أقول هذا الكلام مع علمي أن دولة الكويت لديها محكمة دستورية منذ عام ١٩٧٣ ولكن وكما يقول المثل العماني : " رابع الكذاب إلى رز الباب " .

اجد هذا القرار الصادر من مجلس الوزراء طبيعياً وإن كنت متعجباً فعجبي انه يسبب الرفض فكان بإمكانه أن يرفض دون أي تسبيب ، واعتقادي أن السبب الحقيقي وراء الرفض أن أي فكرة جديدة لابد أن تجد من يعارضها ومن بين هؤلاء المعارضين ستجد اصحاب المصالح الذين يخشوا أن تختفي مصالحهم أو اصحاب الإصدارات الخرِفه الذين ما زالوا يعيشون بعقولهم في القرن العاشر وبجسدهم في القرن العشرين . وما زاد الطين بللاً أن النظام الأساسي للدولة يساهم في إعاقة الأفكار التي من شأنها أن تخدم الشعب وتدفعه إلى الأمام فمن خلاله تم تهميش السلطة التشريعية بشكل واضح ولم يجعل له كلمة إلا بإذن السلطة التنفيذية . وإن كنا نعلق أملنا بوجود محكمة دستورية حتى يرى مجلس الوزراء أن الدراسة قد اكتملت فاعتقد أن الله لن يرزقنا برؤيتها وستظل قيد الدراسة متنقلة بين الأدراج لمدة طويلة من الزمن .

إن الاحداث التي نمر بها تجعلني متأكداً أن الخلل يكمن في النظام الأساسي للدولة وإن ترقيعه لم يجدي نفعاً ، فإن كنا نبحث حقيقة عن الإصلاح ومستقبل الوطن فلابد من تعديل النظام الأساسي للدولة بما يتوافق مع العصر الحديث ، أو وضعه في متحف واستبداله بآخر جديد ، والأمر الثاني اجده اقرب للصواب ، لأنه لو استمر الحال على هذا النحو فليس هناك أي مؤشر أن الوضع سيتغير . 






السبت، 1 فبراير 2014

العسكرومازوخية

يعرض الكاتب إمام عبد الفتاح إمام في كتابهِ " الطاغية " الآراء والتحليلات التي قيلت في تفسير الظاهرة العجيبة وهي ملازمة الطغيان للشرق ، ولماذا الطغيان لا ينفك عن الشرق ولا الشرق عن الطغيان .

ويقسم هذه الآراء إلى ثلاثة اقسام :

الأولى : تنطلق من منطلق الطبيعة البشرية ، وأن البشر ليسوا سواء ، وأن من البشر من يُخلق سيداً ومنهم من يُخلق عبيداً ، وهذا ما ذهب إليه أرسطو بأن الشرقي عبيد بطبيعتهِ فلا يشعر هذا الشرقي بآلام الإستبداد بل يتقبلهُ بكلِ رحابه صدر .

أما مونتسكيو فيرى أن الإستبداد نظام طبيعي للشرق بالإضافة إلى أن الحكومة المستبدة تكون أصلح للعالم الإسلامي ، وقد لا يلام مونتسكيو على هذا الرأي ، فكما يتضح لي انه يستمد هذه الفكرة من الواقع الذي كان يعايشه في ذلك الزمان ، وعلى كل حال لم يختلف ذلك الزمان عن اليوم !

ويسير هيجل على هذا الطريق فيرى أن الشرقي لم يتعرف بعد على الإنسان والحرية وأن الإنسان الحر الذي يعتقدونه هو الطاغية ، لهذا هم خُلقوا لجر عربة الإمبراطور !

الثانية : وهي نظرية فيتفوجل وتنطلق من منطلق الوضع الإقتصادي الذي كان سائداً في الشرق ، فكما يرى أن المجتمع الشرقي " المجتمع النهري " الذي كان يعتمد على الزراعة ساعد على إنشاء سلطة مركزية ، وإن هذه السلطة المركزية كان لابد لها أن تكون مستبدة حتى يسير العمل الإقتصادي بلا أي خلل . بالإضافة إلى استعانة هذه السلطة بالعقاب والترهيب من جانب ، وبتقديس الطغاة من جانب آخر ، فهذه العوامل جعلت من المجتمع الشرقي مُسلّماً لكل ما يصدر من السلطة بدون تردد .

الثالثة : النظرية السادومازوخية ، وهي تنطلق من منطلق نفسي ، وهي علاقة بين متناقضين مع اشتراكهم في عنصر ، فالسادي الذي يعشق ايقاع الألم بالآخرين والمازوخي من يعشق الحاق الأذى به ، والعنصر المشترك هو اللذة .
ومع أن هذه الحالة كانت مرتبطة بعلم النفس إلّا انها انتقلت إلى علم الإجتماع والسياسة لعلها تحل بعض الإشكاليات المحيرة كحالة الشرقي والطغيان ، وربما استطاعت ذلك !


العسكرومازوخية :








إن المتتبع لأحوال العرب في وقتنا المعاصر قد لا يسعفه الرأي الأول والثاني في تحليل المشهد السياسي الحالي ، وبالتحديد التي تحدث في مصر .

قبل ٣ سنوات كنّا نسمعهم يهتفون في الميادين " يسقط حكم العسكر " بينما الآن يحكمهم العسكر من جديد . 
لاشك أن تفسير هذا الموقف لا يقتصر على عامل واحد ، بل مكون من عدة عوامل استطاع أن يعيد الوضع على ما كان عليه ، ولكني سأتحدث عن هذا العامل الغريب المتخذ من الرأي الثالث ونظرية السادومازوخية وأحببت أن اطلق عليه العسكرومازوخية نسبة للعسكر ، فكما يتبين لي أن الكثير من المازوخيين - في النطاق السياسي - يعشقون أن يلحق بهم الأذى من العسكر ولا من أحد غيرهم .

فعندما تسمع رئيس تحرير جريدة يقول أن البلاد بحاجه إلى دكر والدكر الوحيد هو السيسي ، وعندما تقرأ في احدى الجرائد احدهم ينظم شعراً بعنوان نساؤنا حبلى بنجمك ، وقسيس يقول اذوب عشقاً في السيسي ، فهذه هي عين المازوخية بل انها جمعت المازوخية في النطاق السياسي والأدبي !

اعتقد انه يتوجب ألّا  نندهش عند سماع أو قراءة مثل هذه القذارة ، ولكن لأننا نريد من الأوضاع أن تتغير في عشية وضحاها ونصدق انفسنا قليلاً فتصيبنا الدهشة .
فعندما قامت ثورة ٢٥ يناير وهتف الشعب " يسقط حكم العسكر " لم يعتبرها الناس ثورة بل فتنة ، ولم يكن هذا محسوب على تيار واحد ، بل من عدة تيارات فترى السلفي يقول انها فتنة وخروج عن ولي الأمر ، والعلماني يقول شباب طائش  وناكر الجميل لا يحترم والده !
وبعد ان نجحت هذه الفتنة واصبحت ثورة لم يستطع هؤلاء أن يبقوا في مواقفهم ، فهم إذا ما بقيوا على حالتهم الأولى كانوا في مواجهة الثوار ، بعكس ما كانوا عليه في السابق فهم في مواجهة الخوارج . واصبح الجميع وبقدرة قادر في يوم وليلة إلى ثائر ، مع أن الجميع كانوا تحت وطئة العسكر لعقود .

كان لابد للمازوخي أن يعايش الوضع الجديد ، فهو كالمدمن الذي توقف عن تناول الجرعات ، ولكن مع مرور الأيام لم يستطع أن يتماسك فبدأ يتخبط بحك جلده تارة وبالهذيان تارة اخرى . مرة يقول آسفين يا ريس ، ومرة يقول أن الذقن قصير .
وبدأ يحن إلى عادته القديمة وإلى حبيبه القديم العسكر الذي يُكمل كل منهما الآخر .

 ومع أن المتناقضين ( السلفية والعلمانية ) مختلفين في كل شيء ولكن جمعهم عنصر اللذة لذا قال السلفي لا بأس بالخروج عن الحاكم ، وقال العلماني لا بأس بتدخل الدين في السياسة من أجل رجوع السادي العسكري ، وأخذ يتغنى بذكريات السادي القديم  ( جمال عبد الناصر ) متذرعاً أن الشعب - المازوخي - كان يحبه كما كان حال الشعب الألماني مع سيد السادية هتلر !

مع أن الوضع عاد ولم يتغير وكما يقول المثل الدارج عادت حليمة لعادتها القديمة ، ومعرفتي أن هذه العادة لابد لها من وقت طويل ، إلا انني تفائلت عندما تتبعت أحداث التصويت على الدستور الذي حصل على 98% على نعم ، وذلك لأن فئة الشباب كانت مقاطعة التصويت وكان المصوتين من أصحاب الإصدارات الخَرِفة التي تأصلت فيها العسكرومازوخية ، عندما أرى الابناء لا يفقهون لغة الآباء السياسية فهذا يعطيني مؤشر أن الأمور تجري في نصابها الصحيح ، فكما يصف علي الوردي التاريخ بالقدمان التي تقف احدى القدمين لتمشي القدم الآخرى ، فإن كان اصحاب الإصدارات القديمة البالية هي القدم التي تقف فالشباب هم القدم الآخرى التي متجهة للتقدم .