الخميس، 30 أكتوبر 2014

لماذا اقرأ ؟

هذا السؤال راودني بعد أن قفز من العدم بدون أي مقدمات، لماذا اقرأ؟
كنت اعتقد إني أملك جوابًا، ولكن ليس بعد أن راجعت إجابتي بشكل يحمل معه شيء من الدقة.





لا أدعي إني قارئ كبير، أو إني انفق ساعات طويلة في القراءة، أو أن لي باع طويل وتاريخ سحيق في ضلوعي بالقراءة، كل ما في الأمر أني تخليت عن اغلب الإهتمامات وقدمت فيها القراءة.

والقراءة ترف فهي لا تتطلب جهد جسماني، كل ما تحتاجه كتاب تقرأه وأنت في مكانك لا تتحرك، تشرب الماء أو القهوة والشاي، هذا إذا كان الهدف من القارئ هو القراءة فقط.

تحول هذا الترف إلى شقاء بعد أن أصبح هناك هدف تحت شعار عريض وهو "البحث عن الحقيقة"، وازدادت القراءة شقاءًا بعد المصادقة من المبدأ "الصدق مع النفس".

بعد مرور الأيام في هذا العالم وتلاطم الأمواج فيه وقذفي من مكان لآخر إلا انني لم أبلغ هدفي بعد، وهو العثور على هذه الحقيقة التي ابحث عنها!
ما العلة إذًا؟ ربما لأني في بداية طريقي وكمية الكتب التي قرأتها لا تشفع لي. 
ولكني قرأت كتب لكُتاب كانوا يقرأون الكتب من مهدهم إلى لحدهم
هل الكمية معيار؟ لا بالطبع
والفترة الزمانية ؟ بالطبع لا
هل كانوا يمتلكون الحقيقة والتي قرأتها في كتبهم؟ لا اعتقد ذلك
اقوالهم تُحلل تُفنّد تُنظّر تُرد تُنتقد
ما الفرق إذاً بيني وبينه إن كان لا يمتلك الحقيقة؟
أو بالأحرى ما الفرق بينه وبين من لم يقرأ كتاب في حياته؟
هذا لم يقرأ كتاب ولم يمتلك الحقيقة
وهذا قرأ 1000 كتاب ولم يمتلك الحقيقة أيضًا

اذًا أعود إلى سؤالي الأول، لماذا اقرأ؟ 
للمعرفة.
للمعرفة التي لست متأكد أنها حقيقة؟
وإذا سلّمت إنها حقيقة، ثم؟
لا اعتقد أن هناك جواب واضح
أو أن الهدف لم يصبح صالح

اعتقد إني تهت وسأبحث عن هدف آخر






الأحد، 28 سبتمبر 2014

أنا الدولة والدولة أنا


لم يوجد نظام سياسي سيء إلا وقد جربه العرب، فعلى مر العصور والأزمان جربنا النظام الدكتاتوري بالصبغة العسكرية والإستبداد بالصبغة الدينية والطغيان والإنقلاب والإستعمار والحكم الأبوي ..الخ
ولكن الأسوء من ذلك عندما نكون طرفًا في صنع هذا الطغيان، نضع له المبررات ومع مرور الأيام نحبه ثم نعشقه ثم لا  نستطيع العيش بدونه، فنربط الدولة بالطاغية، وتصبح الدولة هي الطاغية والطاغية هو الدولة، ومن لا يحب الطاغية فهو لا يحب الوطن.
قد لا تظهر سلبيات هذا النوع من التفكير في حين أن الطاغية ما زال يتنفس، ولكن بلا ادنى شك ستظهر عندما يذهب إلى ضريحه مضطرًا، فسرعان ما ينهار الناس، نواح وبكائيات ولطميات، تحسبهم سكارى وما هم سكارى، ذلك أنهم عاشوا في زيف استطاع الطاغية أن يصنعه ويقنعهم به، ويحقق الطاغية آخر أمنية له : أنا ومن بعدي الطوفان!
غير أنهم ما يلبثوا إلا ويبدئون بالتصفيق للطاغية الجديد، وتخرج المسيرات والهتافات: بالروح بالدم نفديك يا فلان! وتستمر صناعة الطغاة، وخلف كل قيصر يموت، قيصر جديد ! 





تحدث الكاتب إمام عبد الفتاح إمام في كتابه " الطاغية " عن مثل هذه الحالة وأجاد صياغتها، مستشهدًا بذلك حالة العرب والمصريين بعد وفاة جمال عبد الناصر، أنقل لكم جزءًا من كتابه القيّم راجيًا ألا نكرر الأخطاء وأن نتعظ ! :


" ومن الطبيعي ألا نجد مثل هذا الارتباط بين شخصية الحاكم ومـسـار
الطبيعة أو التوحيد بينه وبين الناس في هوية واحدة إلا في نظام الطغيان وحده فيستحيل أن ينهار الناس أو يسقط الحكم عندما يموت الحاكم في دولة ديمقراطية بالغا ما بلغ حبهم له أو تعلقهم به فقـد حـدث مـثـلا أن حزن الأمريكيون بعد أن اغتيل كندي بغتة لكنهم لم ينهاروا. كما حدث أن أسقط الإنجليز تشرشل رغم احترامهم وتقديرهم له وفـعـل الـفـرنـسـيـون الشيء نفسه مع ديجول. أما الطاغية عندنا فهو الشعب وهو مصدر كل السلطات بطريق مباشر أو غير مباشر وأي نقد لسلوكه أو هجوم عـلـى سياسته هو نقد وهجوم على البلد بأسره لأنه هو البلد. الحرية له وحده والنقد يصدر من جانبه فحسب ولا يجوز لأحد غيره أن يجرؤ على ممارسته. إنه يمد الحبل السري إلى جميع أفراد اﻟﻤﺠتمع فيـتـنـفـسـون شـهـيـقـا كـلـمـا تنفس ولا تعمل خلاياهم إلا بأمره إنـه يمـلأ كـل ذرة غـبـار فـي الجـو مـن حولهم فهو "الزعيم الأوحد" و"الرئيس اﻟﻤﺨلص" و"مبعوث العناية الإلهية" و"القائد والاعلم" والملهم الذي يأمر فينصاع الجميع لأمره. وهو يـعـبـر عـن مصالح الناس ويعرفها أفضل منهم لأنهم "قصر" لم يبلغـوا سـن الـرشـد بعد وأنى للقاصر أن يعرف الصـواب مـن الخـطـأ أو أن يـفـرق بـين الحـق والباطل!

وانبعثت هذه الظاهرة الغريبة التوحيد بين الحاكم والشعـب لـيـصـبـح "الكل في واحد" في الليلة التي مات فيها عبد الناصر ٢٨ سبتمبر ١٩٧٠عندما ذهل العالم لذلك الذي صنـعـه الـعـرب عـلـى امـتـداد أقـطـارهـم ولا سيما ما فعله المصريون من بكاء وعويل على نحو هستيري وعاشت الأمة العربية ومصر بالذات ثلاثة أيام كئيبة ثم كانت الجنازة التي سار فيها ملايين البشر يبكون ويصرخون ويلطمون الخدود... الخ.

 ومن وجهة النظر الغربية فإن ما جرى في أسبوع وفاة عبـد الـنـاصـر بـدا غـيـر مـفـهـوم عـلـى الإطلاق لدى العقل الأوروبي إذ كان صعبا على قوم تخضع حياتهم لعمليات حسابية ضئيلة أن يفهموا تلك الحالة من الاكتئاب الجماعي التي بدت لهم كوباء انتشر خلال ساعات معدودة فاستسلم الناس له بحيث فقدوا القدرة على تمييز ما يفعلون فغاب عقلهم الواعي وتركوا قيادتهم ﻟﻤﺠـمـوعـة مـن الانفعالات الحادة. ولأن صورة عبد الناصر في المنظور الغربي الاستعماري بل وفي منظور آخرين من يعادون هذا الغرب الاستعمـاري كـانـت صـورة دكتاتور وطاغية يحتقر الشعب بقسـمـيـه: الـواعـي وغـيـر الـواعـي. المـتـكـلـم والصامت المشترك والصابر فيعامل الأول بالاعتقلات والسجون ووسائل القهر والتعذيب كتعبير عن ازدرائه لإرادتهم. ويخضع الآخرين لـعـمـلـيـات غسل مخ عنيفة تحول بينهم وبين الوعي بمصالحهم. فقد كان طبيعيا عند تطبيق المحكات العقلانية الأوروبية أن يفرح المصريون لموت الطاغية الذي احتقرهم وعذبهم وامتهن إرادتهم. أو أن يكتفوا بالتـرحـم عـلـيـه انـصـيـاعـا للمشاعر الدينية التي تؤثم الشماتة في الموت فإذا حتم الأمر بعض المبالغة فليكن الدمع قليلا. أما أن تنتشر تلك الحالة العنيفة من "الاكتئاب الجماعي" فإن الأمر يصبح عسيرا على الفهم .

ولقد عكف المفكرون والكتاب على تحليل هذه الـظـاهـرة الـغـريـبـة فـي
محاولة لإيجاد تفسير لها وظهرت بالفعل عدة تـفـسـيـرات مـخـتـلـفـة كـان أضعفها القول إن مواكب الدموع العربية عامة والمصريـة بـصـفـة خـاصـة التي ودعت عبد الناصر كانت تقديرا لإيجابيات الرجل وخاصة سياسته المعادية للاستعمار وإنجازاته الاجتماعية المتقدمة.. . الخ.


١- إن هذه الظاهرة نفسها تكررت في يومي ٩ و ١٠ يونيو عام ١٩٦٧ بعد هزيمة بشعة لم يكن فيها شيء من "الإنجاز" بقدر ما كان الدمار والانهيار كاسحا فقد خرج الناس في الشوارع يطالبون عبـد الـنـاصـر بـالـبـقـاء فـي منصبه وألا يتنحى! وذلك:

 أ- بعد أن أضاع خمس الأراضي المصرية.
ب- وبعد أن أضاع ما كان بيد العرب مـن الأراضـي الـفـلـسـطـيـنـيـة إلـى
الضفة الغربية وغزة حيث التهمتها إسرائيل وأصبح غاية المنى والأمل عند العرب اليوم أن يعود الوضع إلى ما كان عليه قبل ١٩٦٧- أي قبل أن تضيع غزة والضفة والجولان-وهو حلم عسير المنال.
جـ- وبعد قتل آلاف من المصرييين والعرب وإصابة وتشويه وفقدان آلاف غيرهم في مسرحية تافهة لم تدر فيها معركة حقيقية واحدة.
د- الأخطر من ذلك كله تحطيم نفسية الإنسان المصري والعربي عموما بعد أن كان أكبر قوة ضاربة في الشرق الأوسط عندما اكتـشـف أن عـالـم عبد الناصر لم يكن سوى أبنية من الورق تهدمت في ست سـاعـات وجـاء السقوط سريعا وخاطفا بينما عنتريات عبد النـاصـر الـكـلامـيـة لـم تـغـادر
الآذان بعد!.

٢- إن هذه الظاهرة نفسها تكررت أيضا عندما نظم السودانيون لعـبـد الناصر استقبالا بالغ الحرارة حين سافر يشهد مؤتمر القمة في الخرطوم الذي عقد في أغسـطـس ١٩٦٧. وبعد ما يقرب من شهرين علـى الـهـزيمة. حتى قالت الصحف الغربية -وخاصة الأمريكية- وهي تبدي دهـشـتـهـا لـهـذا الاستقبال الحار: إنه لأول مرة في التاريخ يحظى قائد مهزوم بذلك الاستقبال الذي يندر أن يحظى به الغزاة المنتصرون!" (١)



١- الطاغية، إمام عبد الفتاح إمام ص ٢٦٠

الأربعاء، 10 سبتمبر 2014

زمن الرويبضة



رُوي عن النبي محمد (ص) : " سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب و يكذب فيها الصادق و يؤتمن فيها الخائن و يخون فيها الأمين و ينطق فيها الرويبضة . قيل : وما الرويبضة ؟
قال : الرجل التافه يتكلم في أمر العامة "




وعاظ السلاطين وفِراخهم معجبين بهذا الحديث، حيث انهم يرمونه على كل شخص يفتح عقله قليلًا، أو يخالفهم في مسألة من المسائل. أو لشخص أراد الإصلاح ما استطاع،  معتقدين أن الرسول كان يقصد هذه الفئة من الناس، أو يعلمون أنه يقصد فئة أخرى ولكن يحاولون طمس الحقيقة وتحريفها، فالتحريف لا يحتاج إلى زيادة كلمة أو إنقاصها، فيكفي تحريف المعنى مع إبقاء الكلام على ما هو عليه.

إذا ما دققنا في الصفات التي ذكرها النبي "الكذب" و "الخيانة" والحديث في أمور عامة الناس لا تنطبق في عصرنا الحالي على الغلابة والمساكين، بل على الحكام والمسؤولين، فلا يوجد من ينافسهم في الدجل والخيانة، ومع ذلك فهؤلاء هم من يديرون أمور العامة.

نعم، نحن في زمن الروبيضة، حيث من يدير البلاد الإسلامية اليوم هو من يكذب على شعبه ومن يخون وطنه، كذب على شعبه بعد أن قال لهم انه سيكون عادلًا وسيجعلهم سعداء وسينصف المظلوم وسينصر الضعيف، ولن يقدم على أمر إلا بعد أن يستشيرهم، بينما هو في الواقع من أظلم عباد الله على أرضه، حوّل بلاده إلى حظيرة، نشر الظلم والفساد، زاد الغني غنى والفقير فقرًا، عائلته احتكرت المال والأراضي والتجارة، فرّق بين شعبه واستبد برأيه.

في زمن الرويبضة خان الحاكم شعبه، وأدخل الغُزاة في أرضه، أعطاهم حفنة من المال في سبيل تأمين كرسيه، تآمر مع العدو ضد شعبه، سرق أموال شعبه ووزعها على عائلته والمرتزقة من حوله، يصرف على شعبه بالقطارة بمقدار ما يكفيهم حتى يبقوا أحياء، ذلّ شعبه وشتت شبابه، قدّم الأجنبي في العمل عن ابن جلدته، فهل توجد أعظم من هكذا خيانة؟

إن الحكام والمسئولين - الدجاليين والخونة - الذين نصفق لهم، جعلناهم منارة هذه الأمة وأمنائها وحرّاس الوطن وولاة أمورنا، القادة العِظام أصحاب الفكر المستنير، سبب سعادتنا البائسة، جعلناهم يعيشون في القصور بينما مكانهم الحقيقي مدارس محو الأمية والمصحات العقلية.
 أعطيناهم السلطة بالتصرف في أحوالنا، كم خبزة نأكل، كم كوبًا نشرب، كم نفس نستنشق. مجدناهم عظمناهم قدرناهم عبدناهم، فصدقنا الكاذب وأتمنا الخائن، وأصبح الصادق والأمين في ظلمات السجون تحت رحمه المخبرين.


وأتى الزمن المنشود، وصدق الرسول الكريم!

الجمعة، 29 أغسطس 2014

حول رواية " امرأة تضحك في غير أوانها "



كنوع من المصالحة مع الرواية في الفترة الأخيرة بدأت بقراءة بعض الروايات، ولكن هذه المرة كانت أول رواية اقرأها لمؤلف عماني وهي رواية امرأة تضحك في غير أوانها للكاتب نبهان الحنشي.





تتمحور الرواية حول ثلاثة قضايا وهي القضايا الإجتماعية والدينية والسياسية، ولعل التركيز كان أكثر حول القضية الإجتماعية.

- الإجتماعية :
تتحدث الرواية عن شخص يدعى " علي " من ولاية جعلان وهو " بيسر " أو كما يطلق عليه البعض " خادم " وآخرين يريحون رأسهم ويعلونها صريحة " عبد " وهي قضية إجتماعية ما زالت موجودة يؤمن بها بعض من فئات المجتمع حيث يقسمون الناس إلى قبيلي وخادم، والكاتب وفّق في تصوير هذه الطبقة من الناس من وجه نظر المجتمع، حيث لم تكن هناك مبالغات أو افكار خيالية وإنما كلها مستوحاه من الواقع.

نعود إلى علي الذي انتقل إلى مسقط وقد ترك أمه وأخته في جعلان للعمل بإحدى الوزارات كمراسل، وشاهد الكثير من الأمور المستجدة عليه في مسقط، وتعرض لكثير من المواقف في الوزارة، إلا أن شيئًا واحد لم يتغير عليه، وهي الأفكار ونظرة الناس إليه!
يتغيّر الناس عادة في تفكيرهم وسلوكهم من خلال أمرين : التجربة والقراءة وعلي بدأت تتغير افكاره من خلال هذين الأمرين، حيث احتك بأشخاص داخل الوزارة وخارجها وبدأ بقراءة الكتب واصبح مدمن عليها.

وعلي كباقي البشر تختلجه مشاعر من بينها الحب، حيث سيبدأ بقصة عاطفية مع موظفة تعمل معه في الوزارة تدعى " مي " ولعل ما اعجبني في هذه القصة العاطفية أن جعل الكاتب المرأة من عائلة ذي مكانة في المجتمع بعكس علي، حيث هناك اختلاف في المكانة الإجتماعية التي رسمها المجتمع لكليها، وهذا الإختلاف هو ما يجعل القصة تكون اكثر درامية كما لاحظنا مؤخرًا في أفلام هوليوود الرومانسية يجعلون الرجل مختلف تمامًا عن المرأة مثل فيلم (twilight) حيث كانت المرأة بشرية والرجل مصاص دماء، أو فيلم (warm bodies) وكانت المرأة بشرية والرجل " زومبي " .. الخ من الأفلام .

تتطور هذ العلاقة إلى أن يصلا إلى موضوع الزواج، إلا أنه بسبب اختلافهم في المكانة فلم يتحقق لهم ذلك فيفترقان، مي تكمل دراستها في الخارج، وعلي يستقيل من عمله.


- الدينية :

خلال عمله دخل علي في التجارة والعمل الحر، وبعد أن استقال لم يتبقى له مصدر مالي سوى التجارة، وتحسنت حالته بعد أن توسعت تجارته، انخرط في جماعة دينية بعد أن اعتاد التردد في المسجد والإحتكاك بمجموعة من الشيوخ واعجبوا به لكثرة تبرعاته لهذه الجماعة وحماسه الشديد، واصبح مشهور بينهم وإلتقى بكبير هذه الجماعة واعجب به، وكاد أن يزوجه ابنته لولا أنه اكتشف انه " خادم " فتغير كل شيء.

رغم أن الدين اتى ليساوي بين الناس " وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا " ولم يفرق بين ابيض وأسود " لا فرق بين عربي على أعجمي إلا بالتقوى " إلا أن حتى من يدعون انهم حراس الدين والفضيلة ما زالوا يعاملون الناس ويحكموا عليهم من منظور جاهلي، ولم يتغير هذا الشيء في قلوبهم رغم انه من صميم الدين وليس له تأويليين.


- السياسي :

تبدأ احتجاجات ٢٠١١ التي عمت كل البلاد، اصبحت حرية الرأي متاحة في هذه الفترة، عدد من الناس يحتشدون أمام مجلس الشورى، يتحدثون عن أحوال البلاد والفساد والفاسدين، أثار هذا استغراب علي رغم انه غير مطلع على القضايا السياسية، إلا أن الإستغراب كان نابع من أن المتحدثين كانوا يخاطبون شريحة كبيرة من الشباب، فخطرت بباله فكرة، وهي أن تقوم الجماعة كذلك بالتحدث مع الشباب وسماع آرائهم ومطالبهم وحثهم على اختيار الصواب، وقد تحقق ذلك ولكن ليس كما كان يرجو، فخطابات الجماعة كانت متكررة ولا تمت للواقع بصلة، وبعيدة كل البعد عن القضايا المعاصرة.

القي القبض على علي خلال حضوره وقفة الإعتصام أمام مجلس الشورى، وفي المعتقل بدأ بالشك عند سماعه حوار لمعتقلين كانا معه، والحوار الذي دار بينهما دار حقيقةً في أرض الواقع، حيث انقسم المعتصمون إلى قسمين - كما يطلق عليه البعض - ليبرالي / إسلامي، وعلى إثره ترك علي الجماعة حينما وجد أن المقدمات لا تقود إلى النتائج المرسومة والمنشودة، وإنما إلى نتائج مشوهة.


- بشكل عام:

الرواية كانت واقعية أكثر من أنها خيالية، وهذه من وجه نظري نقطة قوة حيث لا تقودك الكلمات الإنشائية والمنسقة  إلى الخيال ثم لا إلى لا شيء، وأنما تصدمك مباشرة بالواقع وتجعلك تستيقظ من غفوتك، والقضايا المأخوذة هي قضايا حساسة يُعاني منها المجتمع العماني.
الرواية بها نوع من التشويق مثل قصة وفاة " حمود " والد علي، والفترات الزمنية تم حرقها - اغلبها - بطريقة مناسبة، والنهاية شبه المفتوحة.

عمومًا يبدو إني بدأت بالتصالح مع الرواية ولن تكون آخر رواية اقرأها ..











الاثنين، 18 أغسطس 2014

نظرة حول قانون الجنسية العماني الجديد







بتاريخ ١٢ اغسطس لعام 2014 تم إصدار مرسوم سلطاني رقم ( 38/2014) المتعلق بقانون الجنسية العمانية، وما يهمنا في هذا المقام هو إلقاء نظرة حول أهم ما جاء به القانون الجديد، وما التغيرات التي حدثت له، واذا عالج أهم فجواته وأخطاءه.


١- حُذف البند الرابع من المادة ١ من القانون القديم المتعلق بمن يعتبر عمانيًا بحكم القانون، والذي ينص على : " من ولد في عمان وجهل منها اقامته العادية وكان ابوه قد ولد فيها على أن يكون الأب وقت ولادة الابن فاقد الجنسية واستمر كذلك "


٢- لم تختلف المدد التي يتطلبها القانون لكي يتقدم الاجنبي بطلب الحصول على الجنسية العمانية، وهي ان يكون قد اقام ٢٠ سنة في عمان، و١٥ سنة اذا كان متزوج من عمانية، إلا انه أضاف شرط جديد بالنسبة للمتزوج من عمانية وهو أن يكون له منها ولد.


٣- أضاف مادة كاملة (١٧) تتعلق بالأجنبية أرملة أو المطلقة من عماني.


٤- اضاف مادة كاملة (١٨) تتعلق بمنح الجنسية العمانية للقاصر ولد المرأة العمانية من زوج أجنبي ومن بين الشروط أن يكون قد هجرها زوجها لجهة غير معلومة لمدة لا تقل عن ١٠ سنوات.


ويلاحظ من شروط المادة ١٧ و ١٨ من قانون الجنسية الجديد أنها نفس الشروط لأكتساب الجنسية من حيث المدد الطويلة والإشتراطات البدهية، ولم يقلل المدة حتى يجعل إكتساب الجنسية أسهل وأيسر.


٥- قسّم سحب الجنسية إلى أصلية كما اشارات المادة 20 وإلى سحب الجنسية لمن اكتسبها في المادة 21.
وقام بتعديلات طفيفة حول الحالات، فقد الغى الحالة التي كانت موجودة في القانون السابق، والتي تنص على : " كل من يثبت انه يعتنق مبادى أو عقائد لا دينية أو ينتمي إلى جماعة أو حزب أو تنظيم يعتنق تلك المبادئ أو العقائد "
- فأصبح لا بأس بإعتناق عقائد لادينية على الأقل من وجهة نظر القانون -

واستخدم في القانون الجديد مصطلح فضفاض " مصلحة عمان " ولا ادري يقصد بمصلحة عمان بأي منظور؟
أما المواد الأخرى فهي موجودة في القانون القديم


٦- الغى المادة ١٥ من القانون القديم والتي تتعلق بالفصل بالمنازعات، واحالها في القانون الجديد إلى اللائحة كما اشارت المادة ٣ من قانون الجنسية الجديد.


٧- في العقوبات : قام برفع العقوبة في القانون الجديد حيث عقوبة كل من يدلي أمام السلطات المختصة بمعلومات كاذبة أو يقدم وثائق غير صحيحة بقصد اكتساب الجنسية العمانية لنفسه أو لغيره


في القانون القديم :
السجن لمدة لا تتجاوز السنتين والغرامة لا تتجاوز 2000 ريال
أو بالعقوبتين معًا


في القانون الجديد:
السجن من سنة الى 3 سنوات
الغرامة من 5000 إلى 10,000
أو باحدى هاتين العقوبتين


كلمة قبل اخيرة :

اذا أردت تقييم القانون فهو برأي لم يتغير حتى وإن أضاف وعدّل وحسّن صياغة القانون، لأنه وبلحظة واحدة سيضرب قانون الجنسية بعرض الحائط، لأنك ستكتشف على أنه لا يوجد قانون وإنما الأمر أولًا وأخيرًا في يد وزارة الداخلية، حيث لم تتغير المواد ولم تلغى التي تتعلق بالصلاحيات المطلقة لوزارة الداخلية في المنح والرد، حيث تنص المادة ٣ من القانون الجديد : " تقدم الطلبات المتعلقة بمسائل الجنسية إلى الوزارة، وتتولى دراستها والبت فيها وفق الإجراءات والضوابط التي تحددها اللائحة، وللوزارة رفض أي طلب دون ابداء الأسباب "

والمادة (٥) : " لا يجوز الجمع بين الجنسية العمانية وأي جنسية اخرى إلا بمرسوم سلطاني "

المادة (٨) : " يجوز استثناء وبمقتضى مرسوم سلطاني منح أو رد الجنسية العمانية دون التقيد بالشروط والأحكام الواردة في هذا القانون " !!

فالسؤال الذي يتبادر لقارئ هذه المادة: ما الفائدة اذًا من القانون !


كلمة اخيرة :
مر هذا القانون مرور الكرام من أمام مجلس عمان ( الشورى والدولة ) ودعوني اطمئنكم حتى ولو مر أمامه ٧٠ مرة لن يستطيعوا تغيير حرف واحد، ومثل ما يقول إخواننا المصريين: بلاش نكزب على بعض


للاطلاع على قانون الجنسية العماني وتحميله بصيغة PDF




الأحد، 15 يونيو 2014

حلقات مفرغة ..!






في كل قضية تثير الرأي العام اهتم كثيراً بمتابعة الردود الساخطة علّي اجد سبب ومكمن الخطأ ، ومن يجب علينا أن نلوم فعلاً ، لأنه وفي كل مرة اعتقد ان جميع الاخطاء المتكررة سببها شيء واحد ، فينتابني شيء من الاعجاب والدهشة : هل انا اصيب في كل مرة ؟ قطعاً لا ولكن اغلب الردود التي اتابعها لا تعطيني اجابة شافية كافية لكي تقنعني ، بل تدخلني في حلقات مفرغة ، وكلما خرجت من حلقة دخلت في اخرى إلى أن اصل إلى السبب الذي اجزم انه فعلاً من يقع اللوم عليه .


فتعال معي لكي اخبرك ما هي هذه الحلقات المفرغة وما هو الشيء الذي دائما ما القي اللوم عليه واعتقد انه سبب المشكلة .


مثال على ذلك ما حدث اليوم من تداول في شبكات التواصل الاجتماعي واصبح حديث الساعة ، وملخص الحدث أن مجلس الوزراء قام بتعديل قرار رئيس الهيئة العامة لحماية المستهلك بشأن حظر رفع اسعار السلع والخدمات ، حيث من خلال التعديل تم حصر الاشياء التي تتكفل حماية المستهلك بمراقبتها وهي ٢٣ سلعة من قبيل الدنجو والهريس ومعجون الاسنان !
وكل ذلك كان بهدف ما تقتضيه المصلحة العامة




ولا اعتقد انك بحاجة لتتسائل ما دخل مجلس الوزراء بهذه المسألة وتبذل جهد عقلي ، لأن الامور واضحة وهي أن اغلب - إن لم يكن الكل - الوزراء تجار !

أو لديهم مصالح مع التجار بالتالي في الحالة السابقة كانوا سيتضررون فوجب التدخل للحد من صلاحيات هيئة حماية المستهلك .

- ولكن  هناك نص قانوني في النظام الاساسي للدولة يحظر على اعضاء مجلس الوزراء ممارسة الانشطة التجارية .

وهذا صحيح ولكن منذ متى سيقول لك اللص اني سرقت ؟

فهم لا يمارسون التجارة باسمائهم وانما يتسترون باسماء اخرى وهذا ما يعرف بالتجارة المستترة .

- اذاً لا بد لنا من قانون يكافح الاحتكار والتجارة المستترة 

نعم صحيح اتفق معك ، ولكن دعني أأخذك إلى حلقة مفرغة اخرى :

في شهر مارس من عام ٢٠١٢ اقر مجلس الدولة " بالأغلبية المطلقة " مقترح إنشاء المحكمة الدستورية ، ولكن وببساطة مجلس الوزراء رفض القرار !
وهو يستخدم الصلاحيات التي اعطاها اياها القانون المتمثلة في النظام الاساسي للدولة

اذاً القوانين والقرارات لا بد ان تمر على مجلس الوزراء حتى تصدر ومجلس الشورى والدولة لا يستطيعان ان يحسما صدور القانون اذا تم الرفض من قبل المجلس أو السلطان ( الرئيس ) كما هو معتاد في الدول المحترمة .

بالتالي قانون حماية المستهلك ومكافحة الاحتكار والتجارة المستترة الذي تم مناقشتة قبل فترة بين مجلس الشورى ومجلس الدولة سوف يمر على مجلس الوزراء ، بصيغة اخرى القانون الذي يكافح جشع التجار لابد ان يوافق عليه التجار الجشعين ، فساعدني على الخروج من هذه الحلقة !

- اذاً لابد ان نعطي مجلس الشورى ( المجلس التشريعي ) صلاحيات حقيقية والزامية ويكون مستقلاً عن السلطة التنفيذية .

نعم ، وهذا ما ادعوا اليه ولكن هناك مسألة ينبغي لك أن تعلمها ان هذه الصلاحيات لا يمكن ان يكتسبها المجلس إلا بتعديل النظام الاساسي للدولة ، ولتعديل النظام الاساسي للدولة فانه ينص في المادة ٨١ : لا يجري تعديل هذا النظام الا بنفس الطريقة التي تم بها اصداره .

- وكيف اصدر ؟

بمرسوم سلطاني ، والآن هل علمت سبب المشكلة ؟
























الاثنين، 7 أبريل 2014

حول كتاب " استئناف التاريخ " لزكريا المحرمي




نظرية وسطية الحكمة ، هذا هو العنوان الأبرز الذي اختتمه الكاتب زكريا المحرمي في كتابه استئناف التاريخ ، والذي يحاول أن يثبت فيه أن ما توصل اليه فوكوياما في كتابه نهاية التاريخ والإنسان الأخير غير صائب ، محاولاً تقديم " نظرية لم تدخل ميدان التجربة بعد ، وهي ما تزال فكرة بكر بحاجة إلى مخض ونقد واختبار وإنضاج " (١) وهذا ما اود عمله في هذا المقال .


في آخر 20 صفحة يوضح الكاتب شكل هذا النظام وعلى ماذا يقوم ، وكعادة أي نظام على مختلف العصور والأزمان فإنه لا بد أن يدعي انه يقوم على العدل والمساواة والحرية ، فلا يوجد نظام يقول انه يقوم على الظلم والتمييز والعبودية ، فالعبرة أولاً واخيراً بالتطبيق . رغم ذلك سأقوم بمناقشة هذه النظرية والتي يفترض أن تكون قد جلبت معها ما هو جديد متجاوزةً النظريات السياسية الحالية . 


يقسّم الكاتب مؤسسات الحكم إلى ٧ عناصر ، ولكن سنتحدث في هذا المقال عن عنصريين ، وكنت اود لو اني استطيع أن اتحدث عن ثلاثة عناصر وهي الأهم في أي نظرية سياسية المتمثلة في السلطة التنفيذية والتشريعية ، إلا أن عنصر ( الحكومة ) لم يأت له تفصيل ، فما هو شكل الحكومة في هذا النظام ؟ وكيف يتم تعيين اعضائها ؟ وهم مسائلون أمام من ؟ وكثير من الأسئلة التي سنتركها معلقة بلا جواب . 

أما بالنسبة للعناصر الأخرى فتتفق اغلب الانظمة عليها كاستقلال القضاء ودور المجالس البلدية وضرورة وجود المؤسسات المدنية .


أولاً : الحاكم 


وصف الكاتب الحاكم بأنه يمثل رأس السلطة ، بينما الحكومة تمثل السلطة التنفيذية ، ومن هنا نتسائل رأس أي سلطة ؟ 

وهل الحاكم لا يعتبر من السلطة التنفيذية ؟ أم انه سلطة رابعة ؟ اضع هذه الاسئلة ليس لمجرد اظهار الثغرات وانما لاهمية تحديد وبيان كل شخص أو جهة والى أي سلطة ينتمي ، وتظهر هذه الأهمية عند تطبيق مبدأ فصل السلطات وتحديد صلاحيات كل سلطة ووظيفتها وحدودها .

ثم يضع الكاتب الشروط الواجب توافرها في الحاكم وهي : 

١- الانتماء إلى الطبقة الوسطى
٢- العلم
٣- الحكمة
٤- الاهلية البدنية
٥- الفضيلة 
٦- الانتماء

بالنسبة إلى ضرورة انتماء الحاكم إلى الطبقة الوسطى فإنه كوّن رأيه اعتماداً على ارسطو الذي لم يعش في زمن ابراء الذمة المالية ، ومراقبة الاموال الداخلة والخارجة في الحساب البنكي قبل وبعد فترة حكمه ، وعلى ذلك سار المشاؤون فيشترط الفارابي للحاكم " ان يكون الدرهم والدينار وسائر اغراض الدنيا هينه عنده " (٢) كذلك يرى ابن رشد من شروط الحاكم " ان يكون غير محب للمال " (٣) ، فهم يبحثون عن كائن بشري تخلى عن بشريته ، غير انهم يرون أن الطبقة الوسطى لا تهتم بالمال ، غير ملاحظين انهم اخلوا بمبدأ المساواة والذي يقضي بأن الناس متساوون في حقوقهم والتزاماتهم ، فما الضير ان يترشح غني أو فقير اذا كان في نهاية المطاف محكوم وفق انظمة وقوانين تحدد اختصاصه وما له وما عليه ؟ 

اما بقية الشروط فهي متفق عليها في مختلف الازمان ، فالفقهاء كالماوردي وضع سبعة شروط للامام

" أحدها: العدالة على شروطها الجامعة. 

والثاني : العلم المؤدي إلى الاجتهاد في النوازل والأحكام .

والثالث : سلامة الحواس من السمع والبصر واللسان، ليصح معها مباشرة ما يدرك بها.

والرابع: سلامة الأعضاء من نقص يمنع عن استيفاء الحركة وسرعة النهوض .

والخامس : الرأي المفضي إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح .

والسادس: الشجاعة والنجدة المؤدية إلى حماية البيضة وجهاد العدو .

والسابع : النسب، وهو أن يكون من قريش " (٤)

اما الجويني اضاف على ما ذكر اشتراط الذكورة والحرية وغيرها من الشروط البدهية ، ولم يوافق الماوردي في مسألة النسب (٥) 


اما الفلاسفة الطوبائيون ومن لف لف افلاطون ومثالياته فانهم وضعوا شروط تكاد تكون تعجيزيه ، فهم يريدون حاكم فيلسوف ويحكم شعب متفلسف ، والغريب في الأمر انهم يدركون انه امر لن يتحقق ، فبعد أن ذكر الفارابي شروط هذا الرئيس الفيلسوف الاسطوري اعترف ان اجتماع هذه الصفات في انسان واحد امر عسير ، كذلك اعترف ابن رشد بذلك بقوله : " ولقد قيل انه من الصعوبة بمكان ان تجد مثل هؤلاء الرجال ، لذا فقد صح القول انه من الصعب ان تقام مثل هذه المدينة " (٦)

اما بالنسبة للعصر الحديث فهو ينص على هذه الشروط بمسميات اخرى فالحكمة هي اشتراط بلوغ سن معين ، والانتماء بمعنى ان يمتلك الجنسية الاصلية ، والفضيلة ان يكون غير محكوم عليه بجرائم مخلة بالشرف والأمانة . 

فالشروط التي وضعها الكاتب هي موجودة سواء قبل الميلاد أو قبل ١٤٠٠ سنة أو في زمننا المعاصر ، وما حاول الخروج عنه في زمننا المعاصر ومحاولة اخذ شروط من الفقهاء او الفلاسفة ما هي إلا محاولة غير موفقة تجاوزتها النظم الحديثة وذلك لتعارضها مع مبدأ المساواة ، وسنوضح ذلك اكثر في شروط الناخب . 


- الناخب :

من ناحية انتخاب الحاكم يرى أن الجميع له الحق في الانتخاب ولكن قسم الناخبين إلى ثلاثة اقسام :

١- من له صوت واحد : ما دون الاربعين ولا يحمل شهادة الاجازة العلمية
٢- من له ثلاثة اصوات : من يبلغ الاربعين فما فوق ويحمل الشهادة العلمية
٣- من له خمسة اصوات : من يبلغ الاربعين فما فوق ويحمل الشهادة وكان مسئول سابق


اما بالنسبة لانتخابات اعضاء الشورى فيشترط للناخب أن يكون حاصلاً على الشهادة العلمية .


وهذا ما يعرف في الفقه الدستوري بالاقتراع المقيد " ولقد انتشر نظام الاقتراع المقيد في الدساتير التي ظهرت في القرن الثامن عشر ومنها دستور الولايات المتحدة الامريكية والدساتير الفرنسية حتى عام ١٨٤٨ باستثناء دستور ١٧٩٣ ودستور مصر ١٩٢٠ والنظام الانتخابي في انجلترا حتى عام ١٩١٨ " (٧) إلا انه بدأ بالتلاشي شيئاً فشيئاً بعد أن زاد الوعي السياسي ، والوعي السياسي لا يكتسبه الشخص من شهادة الهندسة أو الزراعة وانما عن طريق الممارسة واتاحه الفرصة للجميع بالتساوي في صنع القرار .


إن اعطاء ابن سينا ٥ أصوات في انتخابات الرئاسة والسماح له بانتخابات الشورى ، واعطاء ابي ذر الغفاري صوت واحد فقط في انتخابات الرئاسة وحرمانه من انتخابات الشورى ليس علاجاً من اشكالية تأثير اصحاب الأموال على الناخبين ، بل إن تتبعنا الأحداث الجارية لرأينا أن اصحاب الأموال يستخدمون من اعطيناهم خمسة اصوات وثلاثة اصوات للتأثير على الناخبين .

ما اود قوله أن الشهادة العلمية ليست معياراً لضمان عدم تأثر الناخب بالدعايات وانما المعيار هو الوعي السياسي والذي اشرت سابقاً انه يكتسب ويتأصل في الشخص عن طريق الممارسة ، ولا يمكن بأي حال من الأحوال صد هذا التأثير نهائياً وانما ستتفاوت درجته بحسب الوعي الفردي والجماعي في المجتمع .




ثانياً : مجلس الشورى ( البرلمان ) :


ووضع له اربعة مهام رئيسية :

التشريع والمراقبة والمسائلة وعزل الرئيس


وهذه العناصر موجودة في أي نظام يتبنى الديمقراطية ولا يوجد أي جديد أو اضافة ، بل إن بعض النظم قد تجاوزت هذه المرحلة ، كالديمقراطية شبة المباشرة المطبقة في سويسرا مثلاً ، فالشعب يمتلك الادوات اللازمة لضمان سير العمل السياسي بشكل سليم .

ومنها الاستفتاء الشعبي والاقتراح الشعبي والاعتراض الشعبي وحق اقالة الناخبين لنائبهم والحل الشعبي وعزل رئيس الجمهورية وغيرها من الحقوق والأدوات التي تجعل الشعب بنفسه يمارس حقوقه السياسية بدلاً من اسنادها للنواب ثم القاء الحبل على الغارب .

هذه الممارسة هي التي تخلق وعياً سياسياً يصعب اختراقة من قبل اصحاب الاموال ، اما عندما نحصر عمل الشعب السياسي في الانتخابات الرئاسية والنواب ثم يعود الفرد لفراشه للنوم إلى الانتخابات المقبلة فهذا الذي يجعله عرضه للاختراق ، سواء كان يمتلك شهادة أم لا يملك .



كلمة أخيرة :


آخر 20 صفحة من الكتاب هو بالتأكيد اهم ما جاء فيه ، كونه يطرح فكرة جديدة لنظرية سياسية يفترض انها تتجاوز النظريات السياسية الحالية ، إلا انني اعتقد انها تفتقر إلى عنصرين مهمين :


الأول : اضافة اشياء جديدة فعلياً ، فاغلب ما تم ذكره هي اساليب قديمة تم استخدامها في ارض الواقع وتم تجاوزها مع مرور الزمن ، وهذا لا ينطبق مع العنوان الفرعي من الكتاب " والنظام السياسي المنتظر " كون هذه الانظمة قديمة ، وينبغي معرفة ان ليس هناك نظام سياسي كامل وانما انظمة متفاوته في الايجابيات والسلبيات ، ومحاولة جمع ايجابيات كل نظام في نظام واحد لا يجدي نفعاً ، هو بحد ذاته اسمه " نظام " فتأكد إذا اخذته ستأخذه بايجابياته وسلبياته .


الثاني : أن فكرة فوكوياما بالتأكيد مضحكة ، وليس لدي شك في أن الأجيال القادمة سيسخرون من فكرته ويضحكون عليها ، ولكن في حين رغبة تقديم نظام سياسي جديد فينبغي أن يكون مشروح بدقة متناهية وبشكل مستفيض ، ويقتبس الكاتب من كتاب سيكلوجية الجماهير لجوستاف لوبون : " الكلمات التالية : ديمقراطية ، اشتراكية ، مساواة ، حرية فمعانيها من الغموض بحيث نحتاج مجلدات ضخمة لشرحها " (٨) فهل تكفي نظرية وسطية الحكمة ٢٠ صفحة ؟

ان النظرية اتت بشكل " اعم من العام " وهي بحاجة إلى توضيح اكثر ، وحتى ان اعتبرناه كالدستور ، فالدستور وحده لا يكفي ، فهناك لوائح داخلية توضح كيفية عمل وسير الاجراءات في مختلف الدوائر والجهات .


ولا ندري ربما يود الكاتب أن يوضح نظريته في كتابه القادم !






١- زكريا المحرمي ، استئناف التاريخ ص ١٢٢

٢- الفارابي ، اراء اهل المدينة الفاضلة ص ١٩٨

٣- ابن رشد ، تلخيص السياسة ص ١٤١

٤- الماوردي ، الاحكام السلطانية ص ١٩ بترتيب المكتبة الشاملة

٥- الجويني ، غياث الامم في التياث الظلم ص ٦٧ وما بعدها بترتيب المكتبة الشاملة

٦- ابن رشد ، المرجع السابق ص ١٤٢

٧- نعمان احمد الخطيب ، الوسيط في النظم السياسية والقانون الدستوري ص ٢٨١

٨- زكريا المحرمي ، المرجع السابق ص ٣٣





الاثنين، 17 فبراير 2014

المحكمة الدستورية في ذمة الدراسة



نشرت صحيفة الشبيبة بتاريخ ١٥ من شهر فبراير خبر عنونته ب " مجلس الوزراء يطالب اخضاع مقترح المحكمة الدستورية للدراسة " وخلاصة الخبر أن مجلس الوزراء رفض مقترح إنشاء المحكمة الدستورية . وهذا الخبر غير مفاجيء وليس مستبعد اطلاقاً ، فلقد بح صوتنا بالقول أن لدينا مشكلة وفجوة عميقة في السلطة التشريعية ، وأن التعديلات الأخيرة لم تكن إلا بمثابة توسعه المسرح وزخرفته .





إن السلطة التشريعية وآلية التشريع لم تتغير بعد التغييرات الأخيرة على النظام الأساسي للدولة ، فبتاريخ ٢٠ من شهر مارس لعام ٢٠١٢ اقر مجلس الدولة  " بالأغلبية المطلقة " مقترح إنشاء المحكمة الدستورية ، وتمت على أثره الدراسات والمناقشات والملاحظات ، وتم الإشادة بالأعضاء واستبشر الناس بهذه الخطوة والتي تعد بالتأكيد خطوة للأمام وهلل الناس وفرحوا وتحدثوا عن أهمية هذا المقترح ، ولكن وبعد سنتين لم تشفع كل هذه الأمور أمام السلطة التنفيذية المتنفذة في رفض الإقتراح في عشية وضحاها .

وإن تحدثنا للأسباب التي من خلالها تذرع مجلس الوزراء لرفض اقتراح المحكمة الدستورية سنجد انها متناقضة ، فالسبب الأول أن الإقتراح بحاجة إلى مزيد من الدراسة لأهمية الخطوة كونها تتعلق بمسائل دستورية وتنظر في تضارب المراسيم مع النظام الأساسي للدولة .

أما السبب الثاني هو نقص الخبرات في مجال المحاكم الدستورية لعدم وجود محاكم دستورية في دول الجوار للإستفادة منها !

فبالنسبة للسبب الأول فأنا اتعجب كيف أن لهذه المحكمة الدستورية أهمية كبيرة إلا إننا في عام ٢٠١٤ وما زلنا لا نملك محكمة دستورية ! فمجلس الوزراء يقيس أهمية المحكمة بدراستها لا بوجودها بالتالي دراستها لمدة قرن من الزمان خير من وجودها !

أما السبب الثاني والذي يناقض السبب الأول يذكرني بخريج الجامعة أو الكلية الذي يبحث عن عمل ولكنه لا يجد بسبب أن الوظائف المتاحة تحتاج إلى خبرة ، فيعيش حياته في حيرة فكيف له أن يكتسب خبرة وهذه الخبرة لا تأتي إلّا بالعمل والعمل يتطلب خبرة ، فيظل في هذه الدائرة إلى ما شاء الله .

ولكن مجلس الوزراء لم يكتفي بهذه الدائرة المفرغة بل دخل في اخرى  وتحلى بصفة الإيثار فكيف يتسنى له أن يتقدم دول الجوار وينشأ محكمة دستورية ، وربما كان هذا لسان حال كل دول الجوار ، فلعل كل دولة تتذرع بأن دول الجوار ليست لديهم تجربة ، وكل دولة تنتظر اختها وكأن ليست كل دولة ذات سيادة ونظام خاص بها .

أقول هذا الكلام مع علمي أن دولة الكويت لديها محكمة دستورية منذ عام ١٩٧٣ ولكن وكما يقول المثل العماني : " رابع الكذاب إلى رز الباب " .

اجد هذا القرار الصادر من مجلس الوزراء طبيعياً وإن كنت متعجباً فعجبي انه يسبب الرفض فكان بإمكانه أن يرفض دون أي تسبيب ، واعتقادي أن السبب الحقيقي وراء الرفض أن أي فكرة جديدة لابد أن تجد من يعارضها ومن بين هؤلاء المعارضين ستجد اصحاب المصالح الذين يخشوا أن تختفي مصالحهم أو اصحاب الإصدارات الخرِفه الذين ما زالوا يعيشون بعقولهم في القرن العاشر وبجسدهم في القرن العشرين . وما زاد الطين بللاً أن النظام الأساسي للدولة يساهم في إعاقة الأفكار التي من شأنها أن تخدم الشعب وتدفعه إلى الأمام فمن خلاله تم تهميش السلطة التشريعية بشكل واضح ولم يجعل له كلمة إلا بإذن السلطة التنفيذية . وإن كنا نعلق أملنا بوجود محكمة دستورية حتى يرى مجلس الوزراء أن الدراسة قد اكتملت فاعتقد أن الله لن يرزقنا برؤيتها وستظل قيد الدراسة متنقلة بين الأدراج لمدة طويلة من الزمن .

إن الاحداث التي نمر بها تجعلني متأكداً أن الخلل يكمن في النظام الأساسي للدولة وإن ترقيعه لم يجدي نفعاً ، فإن كنا نبحث حقيقة عن الإصلاح ومستقبل الوطن فلابد من تعديل النظام الأساسي للدولة بما يتوافق مع العصر الحديث ، أو وضعه في متحف واستبداله بآخر جديد ، والأمر الثاني اجده اقرب للصواب ، لأنه لو استمر الحال على هذا النحو فليس هناك أي مؤشر أن الوضع سيتغير . 






السبت، 1 فبراير 2014

العسكرومازوخية

يعرض الكاتب إمام عبد الفتاح إمام في كتابهِ " الطاغية " الآراء والتحليلات التي قيلت في تفسير الظاهرة العجيبة وهي ملازمة الطغيان للشرق ، ولماذا الطغيان لا ينفك عن الشرق ولا الشرق عن الطغيان .

ويقسم هذه الآراء إلى ثلاثة اقسام :

الأولى : تنطلق من منطلق الطبيعة البشرية ، وأن البشر ليسوا سواء ، وأن من البشر من يُخلق سيداً ومنهم من يُخلق عبيداً ، وهذا ما ذهب إليه أرسطو بأن الشرقي عبيد بطبيعتهِ فلا يشعر هذا الشرقي بآلام الإستبداد بل يتقبلهُ بكلِ رحابه صدر .

أما مونتسكيو فيرى أن الإستبداد نظام طبيعي للشرق بالإضافة إلى أن الحكومة المستبدة تكون أصلح للعالم الإسلامي ، وقد لا يلام مونتسكيو على هذا الرأي ، فكما يتضح لي انه يستمد هذه الفكرة من الواقع الذي كان يعايشه في ذلك الزمان ، وعلى كل حال لم يختلف ذلك الزمان عن اليوم !

ويسير هيجل على هذا الطريق فيرى أن الشرقي لم يتعرف بعد على الإنسان والحرية وأن الإنسان الحر الذي يعتقدونه هو الطاغية ، لهذا هم خُلقوا لجر عربة الإمبراطور !

الثانية : وهي نظرية فيتفوجل وتنطلق من منطلق الوضع الإقتصادي الذي كان سائداً في الشرق ، فكما يرى أن المجتمع الشرقي " المجتمع النهري " الذي كان يعتمد على الزراعة ساعد على إنشاء سلطة مركزية ، وإن هذه السلطة المركزية كان لابد لها أن تكون مستبدة حتى يسير العمل الإقتصادي بلا أي خلل . بالإضافة إلى استعانة هذه السلطة بالعقاب والترهيب من جانب ، وبتقديس الطغاة من جانب آخر ، فهذه العوامل جعلت من المجتمع الشرقي مُسلّماً لكل ما يصدر من السلطة بدون تردد .

الثالثة : النظرية السادومازوخية ، وهي تنطلق من منطلق نفسي ، وهي علاقة بين متناقضين مع اشتراكهم في عنصر ، فالسادي الذي يعشق ايقاع الألم بالآخرين والمازوخي من يعشق الحاق الأذى به ، والعنصر المشترك هو اللذة .
ومع أن هذه الحالة كانت مرتبطة بعلم النفس إلّا انها انتقلت إلى علم الإجتماع والسياسة لعلها تحل بعض الإشكاليات المحيرة كحالة الشرقي والطغيان ، وربما استطاعت ذلك !


العسكرومازوخية :








إن المتتبع لأحوال العرب في وقتنا المعاصر قد لا يسعفه الرأي الأول والثاني في تحليل المشهد السياسي الحالي ، وبالتحديد التي تحدث في مصر .

قبل ٣ سنوات كنّا نسمعهم يهتفون في الميادين " يسقط حكم العسكر " بينما الآن يحكمهم العسكر من جديد . 
لاشك أن تفسير هذا الموقف لا يقتصر على عامل واحد ، بل مكون من عدة عوامل استطاع أن يعيد الوضع على ما كان عليه ، ولكني سأتحدث عن هذا العامل الغريب المتخذ من الرأي الثالث ونظرية السادومازوخية وأحببت أن اطلق عليه العسكرومازوخية نسبة للعسكر ، فكما يتبين لي أن الكثير من المازوخيين - في النطاق السياسي - يعشقون أن يلحق بهم الأذى من العسكر ولا من أحد غيرهم .

فعندما تسمع رئيس تحرير جريدة يقول أن البلاد بحاجه إلى دكر والدكر الوحيد هو السيسي ، وعندما تقرأ في احدى الجرائد احدهم ينظم شعراً بعنوان نساؤنا حبلى بنجمك ، وقسيس يقول اذوب عشقاً في السيسي ، فهذه هي عين المازوخية بل انها جمعت المازوخية في النطاق السياسي والأدبي !

اعتقد انه يتوجب ألّا  نندهش عند سماع أو قراءة مثل هذه القذارة ، ولكن لأننا نريد من الأوضاع أن تتغير في عشية وضحاها ونصدق انفسنا قليلاً فتصيبنا الدهشة .
فعندما قامت ثورة ٢٥ يناير وهتف الشعب " يسقط حكم العسكر " لم يعتبرها الناس ثورة بل فتنة ، ولم يكن هذا محسوب على تيار واحد ، بل من عدة تيارات فترى السلفي يقول انها فتنة وخروج عن ولي الأمر ، والعلماني يقول شباب طائش  وناكر الجميل لا يحترم والده !
وبعد ان نجحت هذه الفتنة واصبحت ثورة لم يستطع هؤلاء أن يبقوا في مواقفهم ، فهم إذا ما بقيوا على حالتهم الأولى كانوا في مواجهة الثوار ، بعكس ما كانوا عليه في السابق فهم في مواجهة الخوارج . واصبح الجميع وبقدرة قادر في يوم وليلة إلى ثائر ، مع أن الجميع كانوا تحت وطئة العسكر لعقود .

كان لابد للمازوخي أن يعايش الوضع الجديد ، فهو كالمدمن الذي توقف عن تناول الجرعات ، ولكن مع مرور الأيام لم يستطع أن يتماسك فبدأ يتخبط بحك جلده تارة وبالهذيان تارة اخرى . مرة يقول آسفين يا ريس ، ومرة يقول أن الذقن قصير .
وبدأ يحن إلى عادته القديمة وإلى حبيبه القديم العسكر الذي يُكمل كل منهما الآخر .

 ومع أن المتناقضين ( السلفية والعلمانية ) مختلفين في كل شيء ولكن جمعهم عنصر اللذة لذا قال السلفي لا بأس بالخروج عن الحاكم ، وقال العلماني لا بأس بتدخل الدين في السياسة من أجل رجوع السادي العسكري ، وأخذ يتغنى بذكريات السادي القديم  ( جمال عبد الناصر ) متذرعاً أن الشعب - المازوخي - كان يحبه كما كان حال الشعب الألماني مع سيد السادية هتلر !

مع أن الوضع عاد ولم يتغير وكما يقول المثل الدارج عادت حليمة لعادتها القديمة ، ومعرفتي أن هذه العادة لابد لها من وقت طويل ، إلا انني تفائلت عندما تتبعت أحداث التصويت على الدستور الذي حصل على 98% على نعم ، وذلك لأن فئة الشباب كانت مقاطعة التصويت وكان المصوتين من أصحاب الإصدارات الخَرِفة التي تأصلت فيها العسكرومازوخية ، عندما أرى الابناء لا يفقهون لغة الآباء السياسية فهذا يعطيني مؤشر أن الأمور تجري في نصابها الصحيح ، فكما يصف علي الوردي التاريخ بالقدمان التي تقف احدى القدمين لتمشي القدم الآخرى ، فإن كان اصحاب الإصدارات القديمة البالية هي القدم التي تقف فالشباب هم القدم الآخرى التي متجهة للتقدم .

الأربعاء، 29 يناير 2014

حول كتاب " ثورة العقل " للدكتور عبد الستار الراوي



فرقة المعتزلة ، لم يرتبط هذا الاسم سابقاً في ذهني إلا وانه يدل على الخطأ المطلق ، فإذا ما كان هناك رأي واتضح لي انه للمعتزلة استبعده تماماً ، وكان هذا شيئاً طبيعياً كوّن قرائتي في اراء المذاهب عبارة عن تسليم مطلق لرأي مذهبي السُنّي وعلمائه ، وكما هو واضح من المعركة الفكرية التي حدثت بين المعتزلة والسنة عندما انشق من فرقة المعتزلة أبو الحسن الأشعري مؤسس المذهب الأشعري وكانت جل اعماله في نقض المذهب المعتزلي ، واستخدم هذا المذهب الأخير الغلو في الرد ونسبة اقوال للمعتزلة هم منها براء . واصبحوا المعتزلة كأنهم دخلاء على الإسلام والسبب في ذلك انهم يستخدمون العقل ! وإن كنت تريد أن تشتم احداً فقل له يا معتزلي !

بعد التعمق - قليلاً - في قراءة اراء المذاهب ، والتخلي عن مبدأ التسليم ، وبعد التيقن أن ليس هناك مذهباً يملك الحقيقة المطلقة ، والتحلي بمباديء كـ " كل يأخذ منه ويرد " و " الحق أحق أن يتبع " و " لا تنظر في من قال بل في ما قال " وبعد معرفة الأحوال السياسية في العصر الأموي والعباسي والتي لعبت دوراً كبيراً في شيوع الأفكار ودفنها ، وبروز الأفكار التي تخدم الطغاة واندثار ما لا يخدمهم ، كان أول لقاء فعلي جمعني مع المعتزلة عند بحثي في موضوع قدم العالم وحدوثه ، فكان لابد من التعرض لآرائهم لما كان لهم دور بارز في علم الكلام ، فعلى سبيل المثال وفي موضوع الطبيعيات " ظهرت فكرة الجوهر الفرد في الفكر الكلامي على يد ابي الهذيل العلاف احد رجال المعتزلة ، ثم اخذ بها اكثر المعتزلة وقد انتقلت إلى المذهب الأشعري والماتريدي .. " (١) ومن ثم الانتقال للرأي المعتزلي المخالف للجوهر الفرد والذي حمل لوائه ابراهيم بن سيّار النظّام ، صاحب نظرية الكمون والطفرة ، وكما يُقال في علم الكلام ثلاثة مسائل معقدة : كسب الاشعري وطفرة النظام واحوال ابي هاشم .

قررت بعدها أن اقرأ عن اصول هذا المذهب واراء علمائه ، ولكن هذه المرة لهم لا عنهم ، أو على الأقل من وجهة نظر محايدة ، فاخترت كتاب " ثورة العقل " للدكتور عبد الستار الراوي ، وبعد قراءة الكتاب يمكنني ان اقول الآتي :

سبق المعتزلة عصرهم وذلك لإعتمادهم الكبير على العقل ، وعدم انغلاقهم على النصوص والاكتفاء بظاهر الآيات ، بل كانوا منفتحين حتى على الحضارات والأديان الآخرى وذلك لإتساع رقعة الإسلام فكان لابد من التعاطي مع العقائد الآخرى ولا يكون ذلك إلا بالعلوم العقلية ، ونلاحظ ذلك في مؤلفات المعتزلة التي لم تصلنا اغلبها للأسف .

والتشغيب الذي حاولت بقية المذاهب اثارته على المعتزلة لاعتمادهم على العقل لا معنى له ، فالمعتزلة كبقية المسلمين يرون ان القرآن حق ، ولكن العقل يتقدم على النقل ترتيباً لا تشريفاً . أما بالنسبة للأحاديث فإنهم وافقوا الجمهور على أن احاديث الآحاد لا يؤخذ بها في العقائد .

ويعرض الكاتب مدرستَي المعتزلة ، البصرية والبغدادية ومميازة كل مدرسة عن الآخرى ، كذلك اعلام كل من المدرستين وأهم آرائهم ، ومن اهم اعلام مدرسة البصرة : واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد وأبو الهذيل العلاف وإبراهيم بن سيار النظّام . أما اعلام المدرسة البغدادية : بشر بن المعتمر وثمامة بن الأشرس والجعفريين وأبو جعفر الاسكافي وأبو الحسين الخياط وأبو القاسم الكعبي .

بعد آرائهم  ربما سيتبادر في ذهنك السؤال التالي : لماذا استمرت هذه الفرقة لـ ١٠٠ عام فقط ، رغم انها تمتلك كل المقومات للبقاء ؟

يجيب الكاتب على ذلك ولكنه برأي لم يعطي لأهم سبب القدر الكافي وهو دخول معتزلة بغداد وتورطهم في السياسة ، بعكس معتزلة البصرة الذين كانوا حتى يرفضون تولي القضاء ، فلم يكتفي معتزلة بغداد في التوغل في مناصب الدولة والتقرب إلى الحاكم في زمن المأمون والواثق، بل فرضوا ارائهم على المخالفين سواء العوام أو العلماء بالقوة ، وحاولوا نشر مذهبهم بهذه الطريقة ، ولعل ابرز ما يوضح ذلك هي محنة خلق القرآن والتي ذاق منها الناس ذرعاً لدرجة أن هناك من ازهقت روحه وهناك من عُذّب وأخرون اعفوا من منصابهم . إلى جانب انتشار في المدرسة البغدادية التطرف والتكفير والتعنيف في الرد على الخصوم ومثال ذلك رأي أبو موسى المردار بتكفير من يقول بالجبر وتكفير الشاك في كفره والشاك في الشاك إلى ما لا نهاية .
إلى ان اتى المتوكل وانهى عن الجدال وهدد المعتزلة ولاحقهم (٢) ، فالتف الناس من حوله معتبرينه محررهم من الكبت الذي كانوا يعيشونه حتى انهم اطلقوا عليه " ناصر السنة " رغم انه كان يسرف في القتل والشرب وشغوفاً بالنساء .

الأمر الاخر الذي ذكره الكاتب والذي ادى إلى تلاشي فكر المعتزلة الانشقاقات المؤثرة التي حدثت في صفوفهم ، كأبو الحسن الاشعري الذي كان معتزلياً ثم ترك المذهب وألّف العديد من الكتب التي تنقض اراء المعتزلة ، كذلك ابن الراوندي الذي كان من اعلام المعتزلة ثم ما لبث إلى أن ترك المذهب وكتب كتابه " فضائح المعتزلة " 

كذلك انتصار التيار النقلي على العقلي وكان الفضل يعود لأبو حامد الغزّالي الذي اشاد بالمذهب الأشعري وسفه آراء المعتزلة والفلاسفة .

ولا يعني ذلك أن المعتزلة لم يكونوا قادرين على الرد بالحجة ، وانما كانوا ملاحقين مهددين بقطع رؤوسهم اذا ما كشفوا عن ارائهم .

الآن البعض يتحدث عن أهمية عودة الفكر المعتزلي ، واقول اننا بحاجة إلى فكر حر وليس اتباع مذهب معين ، فحتى المعتزلة وفي نفس المدرسة  كانوا مختلفين فيما بينهم ، وكل شخص يرد على الآخر .





لتحميل الكتاب :

http://www.booksjadid.com/2013/09/pdf_4420.html





-------------------------------

١- التصور الذري في الفكر الفلسفي الإسلامي ، د.منى أحمد ابو زيد

٢- الكامل في التاريخ لابن اثير ج ٦ ص ١٣٩ بترتيب المكتبة الشاملة





الجمعة، 3 يناير 2014

رسالة إلى صديقي الوطني







صديقي العزيز تلقيت رسالتك التي تعاتبني فيها ، اكتب لك هذه الرسالة لاوضحك لك الأمور الملتبسة عليك .

اخترت هذا العنوان ليس للسخرية منك ولكن لأني متأكد انك تحب الوطن كما احبه أنا ، ولكن لكل منا منظوره الخاص ، كما انك ترى ان منظوري خاطيء فأنا كذلك ارى أن منظورك خاطيء ، وهذا ما أود ايضاحه وتبيانه لك .

 اعتقد أن مسألة خلافنا تدور حول المسميات والمفاهيم ، فعندما اتكلم عن الدولة ما يدور في رأسك هو الحكومة أو شخص الحاكم ، بينما ما يدور في رأسي مختلف عن ذلك ، فأرى الدولة اوسع من أن تختزل في حكومة أو فرد ، فهذه الأشياء عرضية ومتغيرة تتغير مع مرور الزمن ولكن الدولة تبقى . فكما تعلم أن أي دولة لا تقوم إلا على ثلاثة اركان إن تخلف ركن لم يكن بوسعنا الحديث عن دولة ، وهي : الشعب والإقليم والسلطة . وإن هذه الأخيرة " السلطة " منقسمة إلى ثلاثة أقسام اخرى وإلى ثلاث سلطات وهي السلطة القضائية والتشريعية والتنفيذية ، وإن هذه السلطة الأخيرة " التنفيذية " تتكون من عدة اجهزة من بينها الحكومة او تسمى احياناً بالحكومة ، أي كان فإن علمت ذلك فهل ما زلت تعتقد أن الحكومة هي عين الدولة وتساويها ؟

ربما هذه السلسلة من الإختزالات هي ما تود الحكومة ترويجه بالفعل ولكن في الحقيقة أن هذا الشيء خاطيء ولا ينسلك في ذهن عاقل . فعندما اتحدث عن الحكومة فأنا اتحدث عن جزء من السلطة التنفيذية والتي هي جزء من السلطة كركن والتي هي جزء من الدولة ، فإذا انتقدت أي عمل من الحكومة فلا يعني بالضرورة اني انتقد دولة بأكملها .

ثم نأتي إلى نقطة اخرى وهي ، ما الهدف من وجود هذه الحكومة ؟ هل الهدف من ذلك أن تخدم الشعب ، أم الشعب يخدمها ؟
لا اتوقع انك تعتقد ان الشعب هو من يخدم الحكومة بعد أن وضحت لك حجم الحكومة الحقيقي مقارنة بالشعب الذي يعد ركن لا تقوم الدولة بدونه . فإذا كان الهدف من الحكومة خدمة الشعب افلا يحق للشعب أن ينتقد عمل وممارسات الحكومة اذا كانت مقصرة ؟ فما بالك إن كانت حكومة لا مبالية وفاسدة ، تروج للفساد وتهتم بمصالحها ولا شيء آخر ؟ ألا يحق للشعب أن يقول : " لا " !

نأتي إلى الأهم وهو الانتقاد والذي يعني في قاموسك الإساءة ، دعني أوضح لك امراً وهو إني ارفض الإساءة ولو وجهت لأي شخص ، وأن استخدام الألفاظ البذيئة جريمة يعاقب عليها القانون ، ولكن ليس هذا ما اتحدث عنه ولا الذي امارسه ولا تنطبق عليّ تهمتك التي اتهمتني بها وهي الإساءة للدولة والوطن ،  فعندما انتقد عمل الحاكم أو الحكومة وممارساتهم في الإطار السياسي يعني إني اعتقد بأن هناك خطأ صدر منهم ، واعتقد انك تتفق معي بأنهم غير معصومين !
أو عندما اضع وصفاً مناسباً لهم وينطبق لمقامهم ، ففي هذه الحالة اقوم فقط بتوصيف الحال الذي هم عليه دون أن اخدع نفسي ، ولأضرب لك مثالاً عندما اقول حاكم مستبد أو ديكتاتور أو طاغية ( بعيداً عن الدخول في الفروق بينهم ) فأنا اعني الحاكم الذي يتفرد بالحكم برأيه المنفرد ولا يكون مُحاسب ويملك السلطات الثلاث ، فعندما نأتي للواقع ونشاهد أن الحاكم فعلاً ينفرد بالحكم ولا يكون محاسب لا سياسياً ولا جزائياً ولا مدنياً ويحوز على السلطات الثلاث ويتقلد المناصب العليا في الدولة ، ألا ينطبق عليه وصف مستبد أو طاغية ؟ وإن كان ليس كذلك فما هو اذاً ؟ برأيك ما هي الصفة التي يطلقونها عليه ؟
في الحقيقة لا ادري ما الذي يغيضك عندما يستخدم هذا الوصف ؟ هل لأن الواقع ليس كذلك ؟ لا اعتقد انك تنوي أن تقول لي نعم ! فأنا اعلم انك تعلم أن هذا هو الواقع .

صديقي العزيز الوطنية ليست شعارات واغاني واهازيج تمتدح بها الحكومة وانت لا تدري ، الوطنية ليست مديح ليل نهار للحاكم والحكومة وكل ما يصدر منهما بلا تفكير ، تعيش طول عمرك متصوراً حكومة ملائكية لا يصدر منها خطأ ، وتشكرها بمجرد انها تعطيك حقوقك التي سلبتها منك وتصفق لها وتطبل وتزمر ، إلى متى وانت نائم وتحلم وقد اعطيت الحكومة اكبر من حجمها الحقيقي واستصغرت نفسك واهنتها ودستها تحت الأقدام والتي هي مكانتها رفيعة تسمو فوق مكانة الحكومة ؟ وإلى متى هذا الإختزال تعتبر أن الحاكم هو عين الدولة ؟

صديقي الوطني ، إن كنت تظن أن وضع الدولة الحالي هو افضل وضع واحسن مكانة ولن تصل إلى ما هو افضل من ذلك ، فأنا لدي أماني لهذا الوطن وعندما تتحقق هذه الأماني اضمن لك انك ستكون أول من سيصفق ، حينها ستدرك اني سبقت اشواطاً في حب الوطن ولم اكن يوماً منافقاً !


أحمد مرهون .