الاثنين، 1 أبريل 2013

علاقة القانون بالمجتمع







جاء في كتاب تاريخ النظم القانونية للدكتور محمد حسين العبارة التالية : " يوجد ارتباط وثيق بين القانون والمجتمع ... ويظل القانون متأثراً بالمجتمع الذي نبت فيه وكذلك يؤثر القانون في المجتمع الذي يحكمه فالعلاقة بين المجتمع والقانون علاقة تأثر  وتأثير "


لاشك أن هذه العبارة صحيحة بعمومها والأثر على ذلك واضح ، ولا اعتقد أن احد يختلف في هذه النقطة ، ولكن السؤال الأهم هنا أيهما يكون وضعه انسب ؟


أن يكون القانون متأثراً بالمجتمع ، أي إن القانون يكون متوافق مع المجتمع وفي هذه الحالة يستمد القانون نصوصه من الحالة الواقعية للمجتمع ومن دينه وأعرافه وعاداته وتقاليده ؟
أم أن يكون القانون هو المؤثر على المجتمع ، أي انه في هذه الحالة كأنه يكون مفروض عليهم وقد لا توافق نصوصه دينه وأعرافه ؟


نرى أن الحالة الأولي هي الأنسب ، لان في حالة أن القانون يكون متأثراً بالمجتمع يكون للقانون هيبة ويحترمه أفراد المجتمع لأنه يعبر عنهم وعن سلوكياتهم بخلاف الحالة الثانية عندما يكون القانون هو في مركز المؤثر وكأنه قانون دخيل مفروض عليهم يفقد مصداقيته في نظرة المجتمع .


لذا نجد أحيانا أن أفراد المجتمع قد يتعاملون مع بعضهم البعض دون وجود قانون منصوص عليه ، وإنما يكون تعاملهم عن طريق الأعراف كتعامل الناس مع بعضهم قبل عصر التدوين ، فالقانون العرفي هو المصدر الأم وسابق القانون المكتوب ، كذلك نرى في يومنا الحالي بعض الدول التي لا تملك دستور مكتوب كبريطانيا ، حيث أن الدستور عرفي . كذلك يعد العرف في اغلب الدول هو المصدر الثاني للتشريع .


ولكن الكاتب لم يتعرض لمعيار التفرقة بين القانون المؤثر والقانون المتأثر ، ومن وجهة نظري المتواضعة أن معيار التفرقة هو الجهة التي تصدر القانون .


فإذا كان الشعب هو مصدر القانون كأن يكون القانون عرفياً غير مدون أو تم الاستفتاء على القانون من قبل الشعب أو أن الشعب قد وكّل نواب ينوبوا عنهم بإصدار القوانين ( البرلمان ) في هذه الحالة يكون القانون متأثراًِ بالمجتمع مستمد نصوصه منه .


أما إذا كان القانون الصادر من الحاكم برأيه المنفرد أو من الحكومة وأجهزتها وهيئاتها دون تدخل الشعب أو من ينوب عنهم ، في هذه الحالة يعتبر القانون مؤثر يُفرض على المجتمع سواء كان يوافق دينه وأعرافه أم لم يوافق .


وسوف أتناول في هذا المقال المتواضع بعض الأمثلة علي القوانين العمانية ونرى إن كانت متأثرة أم مؤثرة ، وسوف أتناول ثلاثة قوانين وهي : النظام الأساسي للدولة ( الدستور ) وقانون الجزاء العماني ، وقانون الأحوال الشخصية العماني .



أولاً : النظام الأساسي للدولة :


وهو دستور سلطنة عمان والقانون الذي يسمو على بقية القانونين ، صدر النظام الأساسي للدولة عام 1996 عن طريق المنحة . ودستور المنحة هو الدستور الذي يصدره الحاكم بإرادته المنفردة دون تدخل الشعب أو يكون طرف فيه ، أي أن القانون يصدره الحاكم ويفرض على الشعب دون تدخل منه ، بالتالي يكون النظام الأساسي للدولة هو المؤثر .
وقد يُطرح تساؤل : هل يتدخل الشعب في إصدار الدستور ؟
والإجابة على ذلك : نعم ، حيث هناك طرق يكون الشعب طرف في إصدار الدستور ، كالدستور التعاقدي ، أو أن يكون حق خالصاً للشعب وحده ، كطريقة الجمعية التأسيسية أو الاستفتاء الدستوري 



ثانياً : قانون الجزاء العماني :


صدر قانون الجزاء العماني عام 1974 وفي ذلك الوقت لم يكن هناك مجلس شورى ولا مجلس استشاري ، فالقانون صادر من الجهة التنفيذية وبصيغة أخرى من الحكومة .


أما قانون الجزاء العماني فهو بنكهة لاتينية ، نستطيع أن نقول انه اخذ من القانون المصري المأخوذ من القانون الفرنسي المأخوذ من القانون الروماني ! - وسأتحدث عن هذه النقطة بشكل موسع إن كان لي من العمر بقية -



وعندما نعلم هذه المعلومة ينكشف لنا المجال لتفسير بعض القوانين التي نراها غريبة علي مجتمعاتنا ، وسأضرب مثال على جريمة الزنا .


تنص المادة 227 من قانون الجزاء العماني : " لا تقام الدعوى الجزائية على الزاني رجلاً كان أم امرأة إلا بناء على شكوى الزوج أو ولي الأمر .... "


فالأخ والعم والخال وكل المقربين باختلاف الدرجات لا يحق لهم إقامة الدعوى ، والأعجب من ذلك قانون العقوبات المصري الذي يشترط أن يكون الوطء في فراش الزوجية أما في غيره من الأماكن فلا بأس !


والعلة في هذا الأمر إن هذه القوانين مستوردة نقلناها وترجمناها من ثقافة شعوب لديها ما يسمى " الحرية الجنسية " وهذا الأمر مرفوض عندنا في شعب محافظ متمسك بدينه وأعرافه وعاداته وتقاليده ، فهذه إحدى المشاكل التي يكون فيها القانون هو المؤثر لا المتأثر .




ثالثاً : قانون الأحوال الشخصية العماني :


صدر قانون الأحوال الشخصية العماني عام 1974 ويهتم هذا القانون بموضوعات الزواج والنسب والحضانة والطلاق والخلع والوصاية وغيرها من هذه الموضوعات .

استطيع القول أن هذا القانون تأثر تأثراً شديداً بالمجتمع ، ويعود ذلك لعدة أسباب :

١- انه يستمد نصوصه من الشريعة الإسلامية :
بما أن سلطنة عمان دولة عربية إسلامية واغلب المجتمع - إن لم يكن كله - معتنقين الإسلام ، تأثر هذا القانون بدين المجتمع وجعله يستمد نصوصه من الشريعة الإسلامية ، مع تعدد المدارس الفقهية إلا انه لم يلتزم بمذهب معين وإنما اخذ  بأقوال المذاهب المشهورة  كالمذهب الاباضي والحنفي والشافعي والمالكي 
والحنبلي وحكم بينها


٢- فتح مجال كبير للعرف ، فتذيل الكثير من القوانين بعبارات " ما لم يحكم العرف بخلاف ذلك " أو " يرجع التقرير للدين والعرف " كذلك أعطى للقاضي سلطة تقديرية ولكن قبلها يجب أن يكون عالماً بالعرف ليكون الحكم مناسباً ومرضياً .



٣- الكثير من هذه الموضوعات تقوم على عقد واتفاق ، ،كما نعلم أن " العقد شريعة المتعاقدين " فتكون الاتفاقات مبنية على الأعراف وعادات وتقاليد المجتمع .



نختم :
بعد أن علمنا أن علاقة القانون بالمجتمع تأثر وتأثير ، وقررنا أن الأنسب عندما يكون متأثراً لأنه يعبر عن المجتمع ، وجب علينا أن نعلم انه يجب تفصيل القوانين بمقاييس المجتمع بما يناسبه من قياس ، لا نكتفي بالنقل والترجمة وتصبح القوانين فضفاضة أو ضيقة على المجتمع !



أرجو أن أكون قد وفقت ..

0 التعليقات:

إرسال تعليق