الاثنين، 28 يناير 2013

مجلس الشورى ليس كما تروجون

سيمضي ما يقارب عام ونصف بعد المرسوم 99\2011 والذي يقضي بتعديل أحكام النظام الأساسي للدولة , وذلك اثر ضغط شعبي طالب بالإصلاح وردع الفساد .

ركّز هذا المرسوم الصادر يوم 19 أكتوبر 2011 على الباب الخامس من النظام الأساسي للدولة , والذي يتعلق حول مجلس عمان بشقيه مجلس الدولة ومجلس الشورى . ونال هذا المجلس الأخير رصيد من المواد والتعديلات , كون أن مجلس الشورى يمثل الشعب وذلك لان أعضائه منتخبين من قبله , بعكس مجلس الدولة الذي يتم تعيين أعضائه .

استقبل الشعب عامة هذا المرسوم بشيء من التفاؤل فقد زاد عدد المواد المتعلقة بمجلس الشورى , وكما علت الأصوات مستبشرة تنادي بمصطلحات كـ "التشريع " و " الرقابة " , وهذا التفكير هو السائد والذي يصرح به البعض باختلاف مشاربهم واختصاصهم وتوجهاتهم أن مجلس الشورى بعد المرسوم 99\2011 أصبح مجلس تشريعي ورقابي . فهل مجلس الشورى فعلاً مجلس تشريعي ورقابي ؟

للإجابة على هذا السؤال بموضوعية , وترك العاطفة والتبريرات والاستثناءات بعيداً , يجب أولا أن ننظر إلى النصوص على ألا تركز أعيننا على النص وتنسى الواقع, وإلا كان الحكم مبني على الشكل والمظهر فقط , فيجب أن يكون النص والواقع متلازمان في الرؤية , بعد ذلك نحكم هل نمتلك سلطة تشريعية تسن القوانين وتراقب السلطة التنفيذية ؟



مادة (6) من النظام الأساسي للدولة :

جرى تعديل هذه المادة وتم الزج بمجلس الشورى ليقوم " بتثبيت " من ينتقل إليه ولاية الحكم بعد أن يتعذر مجلس العائلة الحاكمة على الاتفاق باختيارسلطان البلاد. ولا ادري ما علاقة مجلس الشورى بقضية التثبيت وما الحكمة من إدخاله في هذا الأمر ! اذ أن السلطان مُختار سلفاً فليس هناك حاجه للاجتهاد أو بذل جهد ,ولا يمكن فهم هذا التدخل على انه بمثابة الرقابة , لان المادة تشير على أن مجلس الدفاع بالاشتراك مع مجلس الشورى ورئيس المحكمة العليا وأقدم اثنين من نوابه جميعهم يقومون " بتثبيت " من اختاره السلطان سلفاً والاسم مدون ومحفوظ في مكانيين مختلفين .




مادة (58) مكرر (19) :

" لجلالة السلطان في الحالات التي يقدرها حل مجلس الشورى والدعوة إلى انتخابات جديدة خلال أربعة أشهر من تاريخ الحل "
لاشك أن هذا حق خالص للسلطان , وهو موجود ومنصوص عليه في دساتير الدول الملكية . المطلقة والمقيدة , العظمى والصغرى , ولكن في المقابل ماذا يمتلك مجلس الشورى من أسلحة ؟ ( واعني هنا اتجاه الوزير أو الوزارة ) لا شيء البتة , حتى إن استجواب الوزير به غموض – كما سأوضح لاحقاً - . صحيح أن بعض الدول تعطي الملك صلاحية في حل المجلس ولكن في المقابل يمنح مجلس الشورى صلاحيات كالاستجواب وحل الثقة وسحبها . في هذه الحالة تغليب واضح للسلطة التنفيذية على السلطة التشريعية ,وتفقد السلطة بمجموعها توازنها وتجعل السلطة التنفيذية تستأسد على نصيب السلطة .




مادة (58) مكرر (31) :

" تكون جلسات كل من مجلس الدولة ومجلس الشورى علنية ويجوز عقد جلسات غير علنية في الحالات التي تقتضي ذلك بالاتفاق بين مجلس الوزراء وأي من المجلسين"
ومن أثار النقطة السابقة من تغليب السلطة التنفيذية على التشريعية أن الأولى ستكون هي من تتحكم بزمام الأمور وبعيداً عن المراقبة والمحاسبة وهذا ما لاحظناه في ارض الواقع المتمثل في جلسة ميزانية الدولة وجعلها سرية , حيث كان رغبة أعضاء مجلس الشورى جعل الجلسة علنية ولكن مجلس الوزراء كان يريدها سرية لذا قام مجلس الوزراء بتخيير مجلس الشورى : إما أن تكون الجلسة سرية او ان الوزير لن يحضر المناقشة لان القانون لا يلزمه بذلك . وهنا يتضح لنا قوة كل من المجلسين , فمجلس الوزراء (السلطة التنفيذية ) ويقرر ما يريد وما على مجلس الشورى ( السلطة التشريعية ) إلا الإذعان.



مادة (58) مكرر (35) و (38) و (40) و (41) :

وهي المواد التي تتناول اختصاصات المجلس في الجانب التشريعي , ولكن في الحقيقة ليس هناك وجود لتشريع حقيقي وفعلي , تشريع بمعنى سن القوانين باستقلالية , والأمر لا يتعدى أن يكون " مناقشة وإبداء توصيات " وتكون غير ملزمة لمجلس الوزراء " وعلى مجلس الوزراء إخطار المجلسين بما لم يتم الأخذ به من توصياتهما في هذا الشأن مع ذكر الأسباب " كما في المادة (58) مكرر (40)
أو " إبداء مرئيات " كما في المادة (85) مكرر (41)
أما المادة (58) مكرر (35) و (38) فإنها متوقفة على السلطان , كما أنها لم تشير إلى مصير هذه القوانين المرفوعة وتم رفضها من قبل السلطان , ففي الدول ذات البرلمان المختص بالتشريع الفعلي والحقيقي تنص على أن في حالة تم الرفض من قبل الحاكم لإصدار القانون يُعاد إلى المجلس مرة أخرى , فإذا اقره بأغلبية خاصة يستقر قانوناً ويُصدر تلقائياً .



مادة (58) مكرر (43)

" يجوز بناء على طلب موقع من خمسة عشر عضواً على الأقل من أعضاء مجلس الشورى استجواب أي من وزراء الخدمات المتعلقة بتجاوز صلاحياتهم ... "
للوهلة الأولى تتوهم أن هذه المادة التي تقرر الصلاحيات الرقابية ولكني اتسائل : أين تكمن هذه الرقابة ؟
لم يرد في المادة بصريح العبارة عن الدور الرقابي , وان ذكرت كلمة استجواب, ولكن في الحقيقة هي بعيدة كل البعد عن الدور الرقابي , وتحمل هذه المادة في طياتها الكثير من الغموض .

فأولاً : فيما يتعلق بوزارات الخدمات , ما هي هذه الوزارات ؟
لم يحدد القانون ما هذه الوزارات الخدمية , ولم يحدد كذلك الوزارات التي تقابلها " الوزارات السيادية " !

ثانياً : لماذا استجواب وزراء الخدمات دون غيرهم ؟ أليس الجميع سواسية أمام القانون بحسب المادة (17) من النظام الأساسي للدولة ؟
وان قلنا ان بعض الوزارات تكون بيد السلطان مباشرة مثل وزارة الخارجية والدفاع والمالية لذا تعذر استجواب هذه الوزارات , وماذا عن باقي الوزارات ؟
إن وجود مثل هذا الغموض في النص يؤدي إلى استغلاله وهذا ما حصل عندما طلب مجلس الشورى استجواب وزير النفط بعد إضراب العمال ورد عليهم مجلس الوزراء بان وزارة النفط من الوزارات السيادية , فواعجباً !

ثالثاً : وهنا علينا أن نفرق بين الاستجواب والسؤال , فالسؤال استفهام العضو عن ما يجهله أو أمر غير واضح لديه ويقوم بالرد عليه من قبل الوزير وينتهي بانتهاء الإجابة . أما الاستجواب فهو نوع من المحاسبة والنقد وكما يمكن أن يتحول إلى مناقشة عامة أو أن يقوم المجلس بإصدار قرار بهذا الشأن .

رابعاً : وهو ما يتعلق بالنتيجة , فكما ذكرت  المادة أن النتيجة ترفع إلى السلطان , فالأمرمتعلق به , وكما ذكرت سابقاً أن المجلس لا يملك حل ثقة الوزير أو الوزارة , بالتالي فان المسالة توصل لحد معين ثم تنتهي .


فمجلس الشورى ليس كما تروجون , على أساس انه سلطة تشريعية ورقابية , ويجب أن تكون هكذا النظرة , وان تُسمى المسميات بأسمائها , حتى لا نخلق وهم في الأذهان يعكس على الواقع خلاف ذلك . وان هذه النظرة الوهمية لن تقودنا إلى شيء , فهي لن تقودنا إلى إعطاء المجلس صلاحيات حقيقة وفعلية بديلة عن هذه الصلاحيات الصورية لممارسة سلطتها التشريعية والرقابية , بل سنسلم لهذا الوهم ونقوم بالبحث عن المشكلة في أماكن أخرى , والمشكلة أمام أعيننا .
في المقابل لا أنكر الأطوار التي مر بها مجلس الشورى ,  رغم أن هذا التطور كان بطيئاً ولم يصل بعد إلى مجلس بالإمكان أن نقول انه يشرع ويراقب .

السبت، 12 يناير 2013

اصلاح السلطة ام الشعب (١)




لطالما سمعنا الإجابة " أصلح نفسك أولاً ثم أسرتك فيصلح المجتمع فتتقدم الأمة "
 ونسمع كذلك الإجابة الأخرى " أصلح نفسك ثم أسرتك فيصلح المجتمع وتلقائياً    تصلح السلطة 

في البداية قد تكون هذه الإجابة منطقية ولكن لابد للوقوف قليلاً للتأمل لهذه الإجابة وطرح بعض التساؤلات 

 الانعكاس

هذه الإجابة تحاول أن تصور لك أن السلطة ما هي إلا انعكاس لك وللمجتمع ، فإذا كنت فاسد بالتالي ستكون السلطة فاسدة ! وبعبارة أخرى إن كنت فاسد فلا تلوم السلطة إن كانت فاسدة 
فان كنت لصاً تسرق تفاحة من سوق الفاكهة فليس لك الحق أن تتحدث بشان المسئول الذي سرق الملايين فهو انعكاس لك ولكن بصورة وحجم اكبر 

بالطبع لن يوافق احد على هذا الكلام لأنه لا يعقل بان يتحمل شعب بأكمله سلوكيات فردية ثم يتحمل هذا الشعب هذا الجزاء بان يتم سرقة أمواله . ثم انك لن تجد بأي حال من الأحوال شعب من أوله إلى أخره يقطر شرفاً ، فالأفراد المكونين لهذا المجتمع متفاوتين يستحيل أن يكونوا على طبقة واحدة 

إن هذا التصور الذي يحاولون أن يوصلوه إليك يقضي أيضا انك تعيش في دولة لا قانون لها ، أو بها قانون ولكن لا وزن له ، أو يطبق القانون على الضعيف فقط .
فلما كان جزاء من يسرق تفاحة أو مليون في دولة القانون بان يقام عليه العقاب المناسب ، كان جزاء السرقة في دولة الغاب بان يقوم المسئول بسرقة أموال الدولة بحجه انه انعكاس واجب حصوله


أصلحت نفسي والمجتمع

إذا ما انتقلنا للشق الثاني من الإجابة وعملنا باللازم من إصلاح أنفسنا والمجتمع ، فالسؤال الذي يتبادر في الذهن " كيف ومن يقيم صلاح المجتمع " ؟ والإجابة علي هذا السؤال به العديد من الاحتمالات ، والنتيجة على كل حال إننا لن نجد إجابة محددة تسعفنا ، ثم ما المعيار الذي نعتمده لكي نقول أن المجتمع والأفراد قد أصلحوا أنفسهم فعلاً ؟ كذلك لا إجابة حتى اعتمدنا نظرة الأغلب وليس الكل .


الشعب الفاضل 

لم يسجل التاريخ بعد اسم شعب فاضل جميع أفراده مثاليين قادتهم هذه المثالية إلى مصاف الدول المتقدمة ، بل الواقع يقول أن في الدول المتقدمة هناك نسبة من الأمية ونسبة من الجرائم ، فوجود شعب فاضل مثالي يستحيل وجوده ولا يوجد هذا الشعب إلا في الخيال والرسوم الكرتونية 



فهذه الإجابة إذا ما تأملناها جيداً نرى أنها بعيدة كل البعد عن الواقع ، إجابة خيالية غير ممكنة الحصول ، وهي ليست إلا هراء يُروج له